في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَلَمۡ يَكُ يَنفَعُهُمۡ إِيمَٰنُهُمۡ لَمَّا رَأَوۡاْ بَأۡسَنَاۖ سُنَّتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي قَدۡ خَلَتۡ فِي عِبَادِهِۦۖ وَخَسِرَ هُنَالِكَ ٱلۡكَٰفِرُونَ} (85)

78

( فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا ) . .

ذلك أن سنة الله قد جرت على أن لا تقبل التوبة بعد ظهور بأس الله : فهي توبة الفزع لا توبة الإيمان :

( سنة الله التي قد خلت في عباده ) . .

وسنة الله ثابتة لا تضطرب ولا تختلف ولا تحيد عن الطريق .

( وخسر هنالك الكافرون ) .

وعلى هذا المشهد العنيف . مشهد بأس الله يأخذ المكذبين . ومشهدهم يستغيثون ويفزعون ، ويعلنون كلمة الإذعان والتسليم . تختم السورة . فيتناسق هذا الختام مع جوها وظلها وموضوعها الأصيل .

ولقد مررنا في ثنايا السورة بقضايا العقيدة التي تعالجها السور المكية : قضية التوحيد ، وقضية البعث ، وقضية الوحي . . ولكنها لم تكن هي موضوع السورة البارز . إنما كانت المعركة بين الحق والباطل ، والإيمان والكفر ، والصلاح والطغيان ، هي البارزة ، وكانت ملامح المعركة هي التي ترسم " شخصية السورة " . . وسماتها المميزة لها بين سور القرآن . . .

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{فَلَمۡ يَكُ يَنفَعُهُمۡ إِيمَٰنُهُمۡ لَمَّا رَأَوۡاْ بَأۡسَنَاۖ سُنَّتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي قَدۡ خَلَتۡ فِي عِبَادِهِۦۖ وَخَسِرَ هُنَالِكَ ٱلۡكَٰفِرُونَ} (85)

المفردات :

فلم يك ينفعهم إيمانهم : فلم يصح ولم يستقم ، لامتناع قبول الإيمان بعد فوات الأوان .

سنة الله : أي : سنّ الله ذلك سنة ماضية في العباد ، ألا ينفعهم الإيمان وقت نزول العذاب .

وخسر هنالك الكافرون : وهلك في مكان نزول العذاب الكافرون .

التفسير :

85- { فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون } .

أعطى الله الإنسان العقل والإرادة والاختيار ، وجعل ذلك مناط التكليف ، ومن سنة الله تعالى الماضية في السابقين واللاحقين أنه لا يقبل الإيمان في حالة الإلجاء والاضطرار ، كإيمان فرعون حين رأى الغرق أعلن إيمانه بعد أن عصى واستكبر وأعلن الفساد والعناد ؛ فلم يقبل منه الإيمان ، ونجى الله بدنه فقط ليحنط ويظل دليلا ملموسا على عاقبة الظلم والفساد ، وعلى أن الإيمان لا ينفع صاحبه عند رؤية العذاب ؛ لأنه إيمان عن إلجاء واضطرار لا عن رويّة واختيار .

قال ابن كثير :

وحدّوا الله وكفروا بالطاغوت ، ولكن حيث لا تقال العثرات ، ولا تنفع المعذرة ، وهذا كما قال فرعون حين أدركه الغرق : { آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين } . ( يونس : 90 ) ، فلم يقبل الله منه ، لأنه قد استجاب لنبيه موسى عليه السلام {[639]} .

وهكذا قال تعالى : ههنا : { فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده . . . }

أي : هذا حكم الله في جميع من تاب عند معاينة العذاب أنّه لا يقبل ، ولهذا جاء في الحديث : " إن الله تعالى يقبل توبة العبد ما لم يُغرغر " {[640]} ، ولهذا قال تعالى : { وخسر هنالك الكافرون } . ا ه .

ختام السورة:

***

خلاصة ما تضمنته سورة غافر

1- بيان صفة الله عز وجل .

2- عقوبة الجدال بالباطل في آيات الله .

3- وصف الملائكة الذين يحملون العرش ومن حوله .

4- ذكر دعائهم للذين تابوا .

5-وصف أهوال القيامة على الكافرين .

6-طلب الكفار الرجوع إلى الدنيا ، ثم رفض هذا الطلب .

7-إقامة الأدلة على وجود الإله القادر .

8-إنذار المشركين بأهوال القيامة

9-قصص موسى مع فرعون .

10-قصة مؤمن آل فرعون ونُصْحه لقومه بالإيمان .

11-نقاش الضعفاء والكبراء من أهل النار .

12-أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالصبر على أذى قومه ، كما صبر أولو العزم من الرسل .

13-تعداد نعم الله على عباده في البر والبحر .

14-الإيمان لا يقبل إلا عن طواعية واختيار ، ويُرفض عند الإلجاء والاضطرار .


[639]:علّه يقصد دعاء موسى عليه السلام المذكور في القرآن :{ وقال موسى ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالا في الحياة الدنيا ربّنا ليضلوا عن سبيلك ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم * قال قد أجيبت دعوتكما فاستقيما ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون} (يونس: 88، 89).
[640]:أخرجه أحمد، والترمذي، وابن ماجة، وابن حبان، والحاكم، والبيهقي في شُعب الإيمان، عن ابن عمر.
 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{فَلَمۡ يَكُ يَنفَعُهُمۡ إِيمَٰنُهُمۡ لَمَّا رَأَوۡاْ بَأۡسَنَاۖ سُنَّتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي قَدۡ خَلَتۡ فِي عِبَادِهِۦۖ وَخَسِرَ هُنَالِكَ ٱلۡكَٰفِرُونَ} (85)

بأسنا : شدة عذابنا .

سنّة الله : طريقته .

وتلك سنَّةُ الله قد سبقت في عباده أن لا يقبل الإيمان حين نزول العذاب ، { وَخَسِرَ هُنَالِكَ الكافرون } وسنة الله ثابتة لا تختلف ولا تحيد عن الطريق .

اللهم اقبل توبتنا ، وأحسن ختامنا ، واسترنا واغفر لنا يا رب العالمين ويا أرحم الراحمين .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{فَلَمۡ يَكُ يَنفَعُهُمۡ إِيمَٰنُهُمۡ لَمَّا رَأَوۡاْ بَأۡسَنَاۖ سُنَّتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي قَدۡ خَلَتۡ فِي عِبَادِهِۦۖ وَخَسِرَ هُنَالِكَ ٱلۡكَٰفِرُونَ} (85)

ولما كان الكفر بالغيب سبباً لعدم قبول الإيمان عند الشهادة قال : { فلم يك } أي لم يصح ولم يقبل بوجه من الوجوه لأنه لا كون يساعد على ذلك ولا بأدنى درجات الكون ، فأشار بكان إلى أن هذا أمر مستقر وشأن مستمر لكل أمة ليس خاصاً بالمحدث عنهم ، ومن مضى قبلهم وبحذف لام الكلمة إلى أنهم أمعنوا في الترقق بتقرير الإيمان وتكريره وتصريحه في إطلاقه وتسريحه ، والوقت ضيق والمجال حصير ، وقد أزفت الآزفة ، ليس لها من دون الله كاشفة ، فلم يكونوا لفوات الوقت موفين بما طلب منهم { ينفعهم إيمانهم } أي يتجدد لهم نفعه بعد ذلك لأنه إيمان إلجاء واضطرار لا إيمان طواعية واختيار { لما رأوا } وأظهر موضع الإضمار زيادة في الترهيب فقال : { بأسنا } لإن الإيمان لا يتحقق ولا يتصور إلا مع الغيب ، وأما عند الشهادة فقد كشفت سريرته على أنه قد فاتت حقيقته وصورته ، فلو ردوا لعادوا ، ولو أتاهم بعد ذلك العذاب لانقادوا ، ولهذا السر قال تعالى صارفاً القول إلى الاسم المقتضي لمزج الحكمة بالعظمة : { سنت الله } أي سن الملك الأعظم المحيط علماً وقدرة ذلك في كل دهر سنة ، ولذا قال : { التي قد خلت في عباده } أن الإيمان بعد كشف الغطاء لا يقبل ، وكل أمة كذبت الرسل أهلكت ، وكل من أجيب إلى الإيمان المقترحة فلم يؤمن عذب ، سنها سنة وأمضاها عزمة ، فلا غير لها ، فربح إذ ذاك المؤمنون { وخسر } أي هلك أو تحقق وتبين أنه خسر . ولما كان المكان لا ينفك عن الزمان ، استعير ظرفه له وليدل على غاية التمكن فقيل : { هنالك } أي في ذلك الوقت العظيم الشأن بما كان فيه وكان { الكافرون * } أي العريقون في هذا الوصف فلا انفكاك بينهم وبينه ، وقد التف آخرها بما بين من كمال العزة وتمام القدرة وشمول العلم مما رتب من أسباب الهداية والإضلال والإشقاء والإسعاد والنجاة والإهلاك بأولها أي التفاف ، واكتنفت البداية والنهاية بيان ذلك مع ما اشتمل عليه الوسط أيضاً منه أعظم اكتناف ، فسبحان من هذا إنزاله ، وتبارك اسمه وجل جلاله ، ولا إله سواه ولا حول ولا قوة إلا بالله - رب سهل يا كريم .

ختام السورة:

وقد التف آخرها بما بين من كمال العزة وتمام القدرة وشمول العلم مما رتب من أسباب الهداية والإضلال والإشقاء والإسعاد والنجاة والإهلاك بأولها أي التفاف ، واكتنفت البداية والنهاية بيان ذلك مع ما اشتمل عليه الوسط أيضاً منه أعظم اكتناف ، فسبحان من هذا إنزاله ، وتبارك اسمه وجل جلاله ، ولا إله سواه ولا حول ولا قوة إلا بالله - رب سهل يا كريم .