وما تشاءون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليما حكيما . .
ذلك كي تعلم قلوب البشر أن الله هو الفاعل المختار ، المتصرف القهار ، فتتعلم كيف تتجه إليه وتستسلم لقدره . . وهذا هو مجال هذه الحقيقة الذي تجري فيه في مثل هذه النصوص . مع تقرير ما شاءه الله لهم من منحهم القدرة على إدراك الحق والباطل ؛ والاتجاه إلى هذا أو ذاك وفق مشيئة الله ، العليم بحقيقة القلوب ، وما أعان به العباد من هبة الإدراك والمعرفة ، وبيان الطريق ، وإرسال الرسل ، وتنزيل القرآن . . . إلا أن هذا كله ينتهي إلى قدر الله ، الذي يلجأ إليه الملتجئ ، فيوفقه إلى الذكر والطاعة ، فإذا لم يعرف في قلبه حقيقة القدرة المسيطرة ، ولم يلجأ إليها لتعينه وتيسره ، فلا هدى ولا ذكر ، ولا توفيق إلى خير . . .
12- وما تشاءون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليما حكيما .
لا يستطيع أحد أن يهدي نفسه ، ولا يدخل في للإيمان ، ولا يجرّ لنفسه نفعا ، أو يدفع عنها ضررا ، إلا بتوفيق الله ومشيئته .
وهذه الآيات في القرآن الكريم تفهم من خلال ما ورد من آيات كثيرة حول ذلك الموضوع : ذلك أن الله تعالى خلق الإنسان ، وأعطاه العقل والإرادة والاختيار ، وهداه النجدين ، وبيّن له الطريقين ، طريق الهدى وطريق الضلال ، وأرسل له الرسل ، وأنزل له الكتب ، فإذا تدبّر الإنسان وتأمل ، وسار خطوات في استخدام العقل والرأي ، والتدبر والتأمل ، منحه الله الرضا والتوفيق ، ويسّر له الهدى ، والرشاد ، وإذا أحجم الإنسان عن استخدام عقله ، وصمّم على السير في طريق الغواية والسير وراء شهوته ونزواته ، وأطاع الشيطان ، وأعرض عن ذكر الرحمان ، سلب الله عنه الهدى والتوفيق .
للعبد إرادة واختيار ، ولله تعالى إرادة عليا وحكمة وتدبير ، والجمع بين إرادة العبد وإرادة الله تعالى تحتاج إلى شيء من الانحناء والتسليم .
وقال المراغي في تفسيره ما يأتي :
وما تشاءون إلا أن يشاء الله . . .
أي : وما تشاءون اتخاذ السبيل الموصلة إلى النجاة ، ولا تقدرون على تحصيلها إلا إذا وفّقكم الله لاكتسابها ، وأعدّكم لنيلها ، إذ لا دخل لمشيئة العبد إلا في الكسب ، أما التأثير والخلق فلمشيئة الله عز وجل ، فمشيئة العبد وحدها لا تأتي بخير ولا تدفع شرا ، وإن كان يثاب على المشيئة الصالحة ، ويؤجر على قصد الخير ، كما في الحديث : ( إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى )vii .
أي : إن الله عليم بمن يستحق الهداية فييسرها له ، ويقيض له أسبابها ، ومن هو أهل للغواية ، فيصرفه عن الهدى ، وله الحكمة البالغة والحجة الدامعة . اه .
ولما أثبت لهم المشيئة التي هي مناط التكليف ، وهي الكسب ، وكان ربما ظن ظان أو ادعى مدع في خلق الأفعال{[70797]} كما قال أهل الاعتزال ، قال نافياً{[70798]} عنهم الاستقلال ، لافتاً القول إلى خطابهم ، وهو مع كونه خطاب قبض استعطافاً بهم إلى التذكر في قراءة الجماعة وبالغيب على الأسلوب الماضي في قراءة ابن كثير وابن عامر : { وما تشاءون } أي في وقت من الأوقات مشيئة من المشيئات {[70799]}لهذا وغيره{[70800]} على سبيل الاختراع والاستقلال { إلا } وقت { أن يشاء الله } أي الملك الأعلى الذي له الأمر كله ، ولا أمر لأحد معه ، فيوجد المعاني في أنفسكم على حسب ما يريد ويقدر على ما يشاء من آثارها ، وقد صح بهذا ما قال الأشعرية وسائر أهل السنة من أن للعبد مشيئة تسمى كسباً لا تؤثر إلا بمشيئة الله تعالى وتحريكها لقدرة العبد ، وانتفى مذهب القدرية الذين يقولون : إنا نحن نخلق-{[70801]} أفعالنا ، ومذهب الجبرية القائلين : لا فعل لنا أصلا ، ومثَّل الملوي ذلك بمن يريد قطع بطيخة فحدد سكيناً وهيأها وأوجد فيها أسباب القطع وأزال عنها موانعه ثم وضعها على البطيخة-{[70802]} فهي لا تقطع دون أن يتحامل عليها التحامل المعروف لذلك ، ولو وضع عليها ما لم يصلح للقطع كحطبة مثلاً لم تقطع ولو تحامل ، فالعبد كالسكين خلقه الله وهيأه بما أعطاه من القدرة للفعل ، فمن{[70803]} قال : أنا أخلق فعلي{[70804]} مستقلاً به ، فهو كمن قال : السكين تقطع بمجرد وضعها من غير تحامل ، ومن قال : الفاعل هو{[70805]} الله ، من غير نظر إلى العبد أصلاً{[70806]} كان كمن قال : هو يقطع البطيخة بتحامل يده أو قصبة ملساء من غير سكين ، والذي يقول : إنه باشر بقدرته المهيأة للفعل بخلق الله لها وتحريكها في ذلك الفعل كان{[70807]} كمن قال : إن السكين قطعت بالتحامل عليها-{[70808]} ، بهذا أجرى سبحانه عادته في الناس ، ولو شاء غير ذلك فعل ، ولا يخفى أن هذا هو الحق الذي لا مرية فيه ، ثم علل ذلك بإحاطته بمشيئتهم قائلاً : { إن الله } أي المحيط علماً وقدرة { كان } أي أزلاً وأبداً { عليماً حكيماً * } أي بالغ العلم والحكمة ، فهو يمنع منعاً محكماً من أن يشاء غيره ما لم يأذن فيه ، فمن علم في جبلته خيراً أعانه عليه ، ومن علم منه الشر ساقه إليه وحمله عليه ،
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.