إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَمَا تَشَآءُونَ إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمٗا} (30)

وقولُه تعالى : { وَمَا تَشَاءونَ إِلاَّ أَن يَشَاء الله } تحقيقٌ للحقِّ ببيان أنَّ مجردَ مشيئتِهم غيرُ كافيةٍ في اتخاذ السبيلِ كما هُو المفهومُ من ظاهر الشرطيةِ أي وما تشاءونَ اتخاذَ السبيلِ ولا تقدرونَ على تحصيله في وقتٍ من الأوقات إلا وقتَ مشيئتِه تعالى تحصيلَه لكُم ، إذ لا دخلَ لمشيئة العبدِ إلا في الكسبِ وإنَّما التأثيرُ والخلقُ لمشيئة الله عزَّ وجلَّ . وقُرئَ يشاءونَ بالياءِ وقُرئَ إلاَّ ما يشاءُ الله . وقولُه تعالَى : { إِنَّ الله كَانَ عَلِيماً حَكِيماً } بيانٌ لكون مشيئتِه تعالى مبنيةً على أساس العلمِ والحكمةِ والمَعْنى أنَّه تعالَى مبالغٌ في العلم والحكمةِ فيعلمُ ما يستأهلُه كلُّ أحدٍ فلا يشاءُ لهم إلا ما يستدعيهِ علمُه وتقتضيِه حكمتُه .