السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَمَا تَشَآءُونَ إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمٗا} (30)

{ وما تشاؤون } أي : في وقت من الأوقات شيئاً من الأشياء . وقرأ أبو عمرو وابن عامر وابن كثير بالياء التحتية على الغيبة والباقون بالتاء على الخطاب . وإذا وقف حمزة سهل الهمزة مع المدّ والقصر ، وله أيضاً إبدالها واواً مع المدّ والقصر { إلا } وقت { أن يشاء الله } أي : الملك الأعلى الذي له الأمر كله والملك كله على حسب ما يريد ويقدر وقد صح بهذا ما قال الأشعري وسائر أهل السنة من أن للعبد مشيئة تسمى كسباً لا تؤثر إلا بمشيئة الله تعالى ، وانتفى مذهب القدرية الذين يقولون : إنا نخلق أفعالنا ، ومذهب الجبرية القائلين : لا فعل لنا أصلاً ، ومثل الملوي ذلك بمن يريد قطع بطيخة فحدّد سكينة وهيأها وأوجد فيها أسباب القطع وأزال عنها موانعه ، ثم وضعها على البطيخة فهي لا تقطع دون أن يتحامل عليها التحامل المعروف لذلك ، ولو وضع عليها ما لا يصلح للقطع كحطبة مثلاً لم تقطع ولو تحامل ، فالعبد كالسكين خلقه الله تعالى وهيأه بما أعطاه من القدرة للفعل ، فمن قال : أنا أخلق فعلي مستقلاً به فهو كمن قال : السكين تقطع بمجرّد وضعها من غير تحامل ، ومن قال : الفاعل هو الله من غير نظر إلى العبد أصلاً كان كمن قال : هو يقطع البطيخة بتحامل يده أو قصبة ملساء من غير سكين ، والذي يقول : إنه باشر بقدرته المهيأة لفعل يخلقه الله تعالى لها في ذلك الفعل ، كمن قال : إنّ السكين قطعت بالتحامل عليها بهذا أجرى الله سبحانه وتعالى عادته في الناس ولو شاء غير ذلك فعل ، ولا يخفى أنّ هذا هو الحق الذي لا مرية فيه .

ثم علل ذلك بإحاطته بمشيئتهم بقوله تعالى { إنّ الله } أي : المحيط علماً وقدرة { كان } أي : أزلاً وأبداً { عليماً } أي : بما يستأهل كل أحد { حكيماً } أي : بالغ الحكمة فهو يمنع منعاً محكماً من أن يشاء غيره ما لم يأذن فيه فمن علم في جبلته خيراً أعانه عليه ، ومن علم منه الشرّ ساقه إليه وحمله عليه وهو معنى قوله تعالى : { يدخل من يشاء في رحمته والظالمين أعد لهم عذابا أليما } .