الفراش : الحشرات الصغيرة التي تندفع على غير هدى نحو الضوء .
المبثوث : المنتشر المتفرق ، وهو مثل في الحيرة والجهل بالعاقبة .
4- يوم يكون الناس كالفراش المبثوث .
هذا وصف يبيّن الفزع والجزع ، والقلب المستطار ، والفؤاد المشتت ، والهيام على غير هدى ، وقد شبّه الناس في ذلك اليوم بالحشرة الصغيرة ، التي تراها تترامى على ضوء السراج ليلا ، وبها يضرب المثل في الجهل بالعاقبة ، أو كجميع الحشرات الطائرة ، كالباعوض والجراد ، فالناس في انتشارهم وتفرّقهم ، وذهابهم ومجيئهم ، بسبب حيرتهم مما هم فيه ، كأنهم فراش مبثوث ، أي متفرق منتشر .
كما قال تعالى : كأنهم جراد منتشر . ( القمر : 7 ) .
أي : كجراد يهيم على غير هدى ، وعلى غير اتجاه موحّد .
قال الزمخشري في تفسير الكشاف :
شبههم بالفراش في الكثرة والانتشار ، والضعف والذلّة ، والتطاير إلى الدّاعي من كل جانب ، كما يتطاير الفراش إلى النار .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
ثم أخبر عنها ، فقال :{ يوم يكون الناس كالفراش المبثوث } يقول : إذا خرجوا من قبورهم تجول بعضهم في بعض ، فشبههم بالفراش المبثوث .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره : القارعة يوم يكون الناس كالفَراش ، وهو الذي يتساقط في النار والسراج ، ليس ببعوض ولا ذباب ، ويعني بالمبثوث : المفرّق ... وكان بعض أهل العربية يقول : معنى ذلك : كغوغاء الجراد ، يركب بعضه بعضا ، كذلك الناس يومئذ ، يجول بعضهم في بعض .
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
اختلفوا في تأويله من وجوه ، لكنه في الحاصل يرجع إلى معنى واحد : فمنهم من قال : أي كالجراد المنتشر حين أرادت الطيران ، ومنهم من قال : كالجراد الذي يموج بعضهم في بعض ، ومنهم من قال : { كالفراش المبثوث } الذي يتهافت في النار ، فيحترق . وكل ذلك يؤدي معنى الحيرة والاضطراب من هول ذلك اليوم . وأصل ذلك قوله تعالى : { وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد } ( الحج : 2 ) فكأن الله تعالى قال : إنهم يصيرون في الحيرة من هول ذلك اليوم وشدته كالطائر الذي لا يدري أين يطير ؟ وأين يثبت ؟ وأين ينزل ؟ ...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
...والمبثوث : المتفرق في الجهات ، كأنه محمول على الذهاب فيها ...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
شبههم بالفراش في الكثرة والانتشار والضعف والذلة ، والتطاير إلى الداعي من كل جانب ، كما يتطاير الفراش إلى النار ... وفي أمثالهم : أضعف من فراشة ، وأذل وأجهل . وسمى فراشا : لتفرّشه وانتشاره .
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
و «الفراش » : طير دقيق يتساقط في النار ويقصدها ، ولا يزال يقتحم على المصباح ونحوه حتى يحترق ... وقال بعض العلماء : الناس أول قيامهم من القبور { كالفراش المبثوث } ؛ لأنهم يجيئون ويذهبون على غير نظام ، يدعوهم الداعي فيتوجهون إلى ناحية المحشر فهم حينئذ كالجراد المنتشر ؛ لأن الجراد إنما توجهه إلى ناحية مقصودة .
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
فحصل في هذه الآية تهويل شديد بثمانية طرق : وهي الابتداء باسم القارعة ، المؤذن بأمر عظيم ، والاستفهام المستعمل في التهويل ، والإِظهار في مقام الإِضمار أول مرة ، والاستفهامُ عما ينْبئ بكنه القارعة ، وتوجيهُ الخطاب إلى غير معين ، والإِظهار في مقام الإِضمار ثاني مرة ، والتوقيتُ بزمان مجهولٍ حصوله وتعريف ذلك الوقت بأحوال مهولة . ...
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
«الفراش » جمع فراشة ، وهي الحشرة المعروفة ذات الألوان الزاهية ، وقيل : إنّها الجراد . ويبدو أنّ هذا المعنى مستلهم من قوله تعالى حيث يصف النّاس يوم القيامة : { كأنّهم جراد منتشر } ، لكن المعنى اللغوي للكلمة هو الحشرة المعروفة . والتشبيه بالفراش قد يكون لأن هذه الحشرات تلقي بنفسها بشكل جنوني في النّار ، وهذا ما يفعله أهل السيئات ؛ إذ يلقون بأنفسهم في جهنّم . ويحتمل أن يكون التشبيه لما يصيب جميع النّاس في ذلك اليوم من حيرة . وإن كان الفراش بمعنى الجراد ، فوجه التشبيه هو أنّ الجراد خلافاً لكل الحيوانات التي تطير بشكل جماعي ليس لها مسير مشخص في حركتها ، وكل منها يطير في اتجاه . ...
{ يوم يكون الناس كالفراش المبثوث } العامل في الظرف محذوف دل عليه القارعة ، تقديره : تقرع في يوم ، والفراش هو الطير الصغير الذي يشبه البعوض ويدور حول المصباح ، والمبثوث هو المنتشر المتفرق ، شبه الله الخلق يوم القيامة به في كثرتهم وانتشارهم وذلتهم ، ويحتمل أنه شبههم به لتساقطهم في جهنم كما يتساقط الفراش في المصباح .
قال بعض العلماء : الناس في أول قيامهم من القبور كالفراش المبثوث ؛ لأنهم يجيئون ويذهبون على غير نظام ، ثم يدعوهم الداعي فيتوجهون إلى ناحية المحشر ، فيكونون حينئذ كالجراد المنتشر ؛ لأن الجراد يقصد إلى جهة واحدة ، وقيل : الفراش هنا الجراد الصغير ، وهو ضعيف .
ولما ألقى السامع جميع فكره إلى تعرف أحوالها ، قال ما تقديره : تكون { يوم يكون } أي كوناً كأنه جبلة { الناس } أي الذين حالهم النوس على كثرتهم ، واختلاف ذواتهم وأحوالهم ومراتبهم ومقاديرهم وانتشارهم بعد بعثرة القبور ، وتحصيل ما في الصدور ، { كالفراش } أي صغار الجراد ؛ لأنها تتفرش وتتهافت على النار ، أو هو طير غير ذلك لا دم له ، يتساقط في النار ، وليس ببعوض ولا ذباب . وقال حمزة الكرماني : شبههم بالفراش التي تطير من هنا ومن هنا ، ولا تجري على سمت واحد ، وهي همج يجتلبها السراج . وقال غيره : وجه الشبه الكثرة والانتشار والضعف والذلة والتطاير إلى الداعي من كل جانب ، كما تتطاير الفراش ، وكثرة التهافت في النار وركوب بعضهم بعضاً ، وموج بعضهم في بعض من شدة الهول ، كما قال تعالى
{ كأنهم جراد منتشر }[ القمر : 7 ] { المبثوث * } أي المنتشر المتفرق .