في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَقَالُوٓاْ ءَأَٰلِهَتُنَا خَيۡرٌ أَمۡ هُوَۚ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلَۢاۚ بَلۡ هُمۡ قَوۡمٌ خَصِمُونَ} (58)

57

( وقالوا أآلهتنا خير أم هو ? )يعنون أن آلهتنا عندك ليست بخير من عيسى " وإذا كان عيسى من حصب النار كان أمر آلهتنا هيناً ! " .

ولم يذكر صاحب الكشاف من أين استقى روايته هذه . وهي تتفق في عمومها مع رواية ابن إسحاق .

ومن كليهما يتضح الالتواء في الجدل ، والمراء في المناقشة . ويتضح ما يقرره القرآن عن طبيعة القوم وهو يقول : ( بل هم قوم خصمون ) . . ذوو لدد في الخصومة ومهارة . فهم يدركون من أول الأمر ما يقصد إليه القرآن الكريم وما يقصد إليه الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] فيلوونه عن استقامته ، ويتلمسون شبهة في عموم اللفظ فيدخلون منها بهذه المماحكات الجدلية ، التي يغرم بمثلها كل من عدم الإخلاص ، وفقد الاستقامة يكابر في الحق ، ويعمد إلى شبهة في لفظ أو عبارة أو منفذ خلفي للحقيقة ! ومن ثم كان نهي رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وتشديده عن المراء ، الذي لا يقصد به وجه الحق ، إنما يراد به الغلبة من أي طريق .

قال ابن جرير : حدثنا أبو كريب ، حدثنا أحمد بن عبد الرحمن ، عن عبادة بن عبادة ، عن جعفر ، عن القاسم ، عن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال : إن رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] خرج على الناس وهم يتنازعون في القرآن . فغضب غضباً شديداً ، حتى كأنما صب على وجهه الخل . ثم قال [ صلى الله عليه وسلم ] : " لا تضربوا كتاب الله بعضه ببعض . فإنه ما ضل قوم قط إلا أوتوا الجدل . ثم تلا [ صلى الله عليه وسلم ] ( ما ضربوه لك إلا جدلاً بل هم قوم خصمون ) " . .

وهناك احتمال في تفسير قوله تعالى : ( وقالوا : أآلهتنا خير أم هو ? )يرشح له سياق الآيات في صدد أسطورتهم على الملائكة . وهو أنهم عنوا أن عبادتهم للملائكة خير من عبادة النصارى لعيسى ابن مريم . بما أن الملائكة أقرب في طبيعتهم وأقرب نسباً - حسب أسطورتهم - من الله سبحانه وتعالى عما يصفون . ويكون التعقيب بقوله تعالى : ( ما ضربوه لك إلا جدلاً بل هم قوم خصمون ) . . يعني الرد على ابن الزبعري كما سبق . كما يعني أن ضربهم المثل بعبادة النصارى للمسيح باطل . فعمل النصارى ليس حجة لأنه انحراف عن التوحيد . كانحرافهم هم . فلا مجال للمفاضلة بين انحراف وانحراف . فكله ضلال . وقد أشار إلى هذا الوجه بعض المفسرين أيضاً . وهو قريب .

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَقَالُوٓاْ ءَأَٰلِهَتُنَا خَيۡرٌ أَمۡ هُوَۚ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلَۢاۚ بَلۡ هُمۡ قَوۡمٌ خَصِمُونَ} (58)

57

المفردات :

جدلا : خصومة بالباطل .

خصمون : شداد الخصومة بالباطل ، مجبولون على اللجاج .

التفسير :

58- { وقالوا آلهتنا خير أم هو ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون } .

قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : أآلهتنا خير أم عيسى ؟ والنبي صلى الله عليه وسلم متيقن من أن عيسى خير من آلهتهم ، أي إذا كان عيسى في النار فقد رضينا أن نكون نحن وآلهتنا معه ، وابن الزبعري يعلم أن عيسى ليس في النار ، لأنه لم يطلب من أحد أن يعبده ، ولم يرض بعبادة الناس له ، ولأن كل عابد وما عبده من دون الله في النار ، إذا رضي من يعبد بهذه العبادة ، فهم لم يضربوا المثل بعيسى والعزير والملائكة إلا على وجه الجدال والمخاصمة فهم ألداء في الخصومة ، راغبون في الغلبة بالحق أو بالباطل ، وعيسى عليه السلام قد تبرأ ممن عبده أو اتخذه إلها .

قال تعالى : { وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ( 116 ) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ . . . } ( المائدة : 116 ، 117 ) .

قال في التسهيل لعلوم التنزيل :

{ ما ضربوه لك إلا جدلا . . . }

أي : ما ضربوا لك هذا المثال إلا على وجه الجدل ، وهو أن يقصد الإنسان أن يغلب من يناظره سواء غلبه بحق أو بباطل ، لقد أراد ابن الزبعري المغالطة ؛ فوصفهم الله بأنهم قوم خصمون .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَقَالُوٓاْ ءَأَٰلِهَتُنَا خَيۡرٌ أَمۡ هُوَۚ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلَۢاۚ بَلۡ هُمۡ قَوۡمٌ خَصِمُونَ} (58)

قوله تعالى : " وقالوا أآلهتنا خير أم هو " أي ألهتنا خير أم عيسى ؟ قال السدي . وقال : خاصموه وقالوا إن كل من عبد من دون الله في النار ، فنحن نرضى أن تكون آلهتنا مع عيسى والملائكة وعزير ، فأنزل الله تعالى : " إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون " [ الأنبياء : 101 ] الآية . وقال قتادة : " أم هو " يعنون محمدا صلى الله عليه وسلم . وفي قراءة ابن مسعود " ألهتنا خير أم هذا " . وهو يقوي قول قتادة ، فهو استفهام تقرير في أن آلهتهم خير . وقرأ الكوفيون ويعقوب " أألهتنا " بتحقيق الهمزتين ، ولين الباقون . وقد تقدم . " ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون " " ما ضربوه لك إلا جدلا " حال ، أي جدلين . يعني ما ضربوا لك هذا المثل إلا إرادة الجدل ؛ لأنهم علموا أن المراد بحصب جهنم ما اتخذوه من الموت " بل هم قوم خصمون " مجادلون بالباطل . وفي صحيح الترمذي عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل - ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية - " ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون " ] .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{وَقَالُوٓاْ ءَأَٰلِهَتُنَا خَيۡرٌ أَمۡ هُوَۚ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلَۢاۚ بَلۡ هُمۡ قَوۡمٌ خَصِمُونَ} (58)

قوله : { وقالوا ءآلهتنا خير أم هو } أي : أآلهتنا خير أم المسيح . فقد خاصموا النبي قائلين : إن كان كل من عبد غير الله في النار فنحن نرضى أن تكون آلهتنا مع عيسى وعزير والملائكة . وقيل : يريدون بذلك محمدا صلى الله عليه وسلم يعني : أآلهتنا خير أم محمد ؟ وقد ذكروا ذلك لأنهم قالوا : إن محمدا يدعونا إلى عبادة نفسه ، وأباؤنا زعموا أنه يجب عبادة هذه الأصنام . وإذا كان لابد من أحد هذين الأمرين فعبادة هذه الأصنام أولى .

قوله : { ما ضربوه لك إلا جدلا } { جدلا } منصوب على الحال ، أي ما ضربوا لك هذا المثل إلا ابتغاء الجدل وبفرط جنوحهم للتخاصم { بل هم قوم خصمون } أي شديدو الخصومة واللدد .