وأخيراً يقرر دقة النظام الكوني الذي يحكم هذه الأجرام الهائلة ، ويرتب الظواهر الناشئة عن نظامها الموحد الدقيق :
( لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ، ولا الليل سابق النهار ، وكل في فلك يسبحون ) . .
ولكل نجم أو كوكب فلك ، أو مدار ، لا يتجاوزه في جريانه أو دورانه . والمسافات بين النجوم والكواكب مسافات هائلة . فالمسافة بين أرضنا هذه وبين الشمس تقدر بنحو ثلاثة وتسعين مليوناً من الأميال . والقمر يبعد عن الأرض بنحو أربعين ومائتي ألف من الأميال . . وهذه المسافات على بعدها ليست شيئاً يذكر حين تقاس إلى بعد ما بين مجموعتنا الشمسية وأقرب نجم من نجوم السماء الأخرى إلينا . وهو يقدر بنحو أربع سنوات ضوئية . وسرعة الضوء تقدر بستة وثمانين ومائة ألف من الأميال في الثانية الواحدة ! [ أي إن أقرب نجم إلينا يبعد عنا بنحو مائة وأربعة مليون مليون ميل ! ] .
وقد قدر الله خالق هذا الكون الهائل أن تقوم هذه المسافات الهائلة بين مدارات النجوم والكواكب . ووضع تصميم الكون على هذا النحو ليحفظه بمعرفته من التصادم والتصدع - حتى يأتي الأجل المعلوم - فالشمس لا ينبغي لها أن تدرك القمر . والليل لا يسبق النهار ، ولا يزحمه في طريقه ، لأن الدورة التي تجيء بالليل والنهار لا تختل أبداً فلا يسبق أحدهما الآخر أو يزحمه في الجريان !
وحركة هذه الأجرام في الفضاء الهائل أشبه بحركة السفين في الخضم الفسيح . فهي مع ضخامتها لا تزيد على أن تكون نقطاً سابحة في ذلك الفضاء المرهوب .
وإن الإنسان ليتضاءل ويتضاءل ، وهو ينظر إلى هذه الملايين التي لا تحصى من النجوم الدوارة ، والكواكب السيارة . متناثرة في ذلك الفضاء ، سابحة في ذلك الخضم ، والفضاء من حولها فسيح فسيح وأحجامها الضخمة تائهة في ذلك الفضاء الفسيح ! ! !
في فلك : الفلك هو المدار الذي يدور فيه الكوكب ، سمي به لاستدارته كفلكة المغزل .
يسبحون : يسيرون ويدورون بانبساط وسهولة .
40 { لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ } .
للشمس مدار تسبح وتجري فيه ، وللقمر مدار بعيد جدا عن مدار الشمس يسبح فيه ، وللأرض حركة حول نفسها ، وحركة حول الشمس ، ولكل من الشمس والقمر والأرض مجال خاص بكل واحد منها ، فهو يجري ويسبح ، وخلفه سائر مجموعته ، بسرعة هائلة ، وتقدير عظيم ، بحيث لا يصطدم أي كوكب بالآخر ، ولا يتوانى أي كوكب عن حركته ، فللشمس مجالها ، وللقمر مجاله ، وللأرض مجالها ، ولليل مجاله ، وللنهار مجاله .
ولا يتسنى للشمس أن تظهر ليلا فتطمس نور القمر ، أو تنير الليل ، ولا يتسنى لليل أن يتقدم عن موعده ليطمس نور النهار ، بل هما جديدان متتابعان ، يعقب النهار الليل ويعقب الليل النهار ، بدون تخلّف أو تأخر ، أو اضطراب أو اصطدام ، لأن القدرة الإلهية هي التي تحرّك هذا الكون بكل ما فيه .
جاء في هامش المنتخب في تفسير القرآن الكريم :
وصفوة القول أن الآية الكريمة تنص على أن الشمس تجري لمستقر لها ، ولم يتعرف على معانيها العلماء إلا في أوائل القرن الرابع عشر الهجري ، ولا يمكن أن تدرك الشمس القمر ، لأن كلا منهما يجري في أفلاك متوازية ، فيستحيل أن يتقابلا ، كما يستحيل أن يسبق الليل النهار ، حيث يتطلب ذلك أن تدور الأرض حول محورها من الشرق إلى الغرب ، بدلا من اتجاهها الحالي من الغرب نحو الشرق ، والقمر خلال دورته حول الأرض ، ودورة الأرض حول الشمس يمر بمجموعات من النجوم تسمّى بمنازل القمر ، وفي الربعين الأول والأخير من الشهر ، يظهر القمر كالعرجون القديم ، أي : يصير كالسباطة إذا قدمت ويبست واعوجت15 .
{ لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ } .
ولكل نجم أو كوكب فلك ، أو مدار ، لا يتجاوزه في جريانه أو دورانه ، والمسافات بين النجوم والكواكب مسافات هائلة ، فالمسافة بين أرضنا هذه وبين الشمس تقدر بنحو ثلاثة وتسعين مليونا من الأميال ، والقمر يبعد عن الأرض بنحو أربعين ومائتي ألف من الأميال . . . ، وهذه المسافات على بعدها ليست شيئا يذكر حين تقاس ببعد مجموعتنا الشمسية ، وأقرب نجم من نجوم السماء الأخرى إلينا ، وهو يقدر بنحو أربع سنوات ضوئية ، وسرعة الضوء تقدَّر بستة وثمانين ومائة ألف من الأميال في الثانية الواحدة ! ( أي أن أقرب نجم إلينا يبعد عنّا بنحو مائة وأربعة مليون مليون ميل ) وقد قدّر الله خالق هذا الكون الهائل أن تقوم هذه المسافات الهائلة بين مدارات النجوم والكواكب ، ووضع تصميم الكون على هذا النحو ليحفظه بمعرفته من التصادم والتصدع ، حتى يأتي الأجل المعلوم ، فالشمس لا ينبغي لها أن تدرك القمر ، والليل لا يسبق النهار ، ولا يزحمه في طريقه ، لأن الدورة التي تجيء بالليل والنهار لا تختل أبدا ، فلا يسبق أحدهما الآخر ، أو يزحمه في الجريان !
{ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ } .
وحركة هذه الأجرام في الفضاء أشبه بحركة السفينة في الخضم الفسيح ، فهي مع ضخامتها لا تزيد على أن تكون نقطة سابحة في ذلك الفضاء المرهوب ، وإن الإنسان ليتضاءل ، وهو ينظر إلى هذه الملايين التي لا تحصى من النجوم الدوّارة ، والكواكب السيارة ، متناثرة في ذلك الفضاء ، سابحة في ذلك الخضّم ، والفضاء من حولها فسيح فسيح ، وأحجامها الضخمة تائهة في ذلك الفضاء الفسيح16 .
قوله تعالى : " لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر " رفعت " الشمس " بالابتداء ، ولا يجوز أن تعمل " لا " في معرفة . وقد تكلم العلماء في معنى هذه الآية ، فقال بعضهم : معناها أن الشمس لا تدرك القمر فتبطل معناه . أي لكل واحد منهما سلطان على حياله ، فلا يدخل أحدهما على الآخر فيذهب سلطانه ، إلى أن يبطل الله ما دبر من ذلك ، فتطلع الشمس من مغربها على ما تقدم في آخر سورة " الأنعام " {[13216]} بيانه . وقيل : إذا طلعت الشمس لم يكن للقمر ضوء ، وإذا طلع القمر لم يكن للشمس ضوء . روي معناه عن ابن عباس والضحاك . وقال مجاهد : أي لا يشبه ضوء أحدهما ضوء الآخر . وقال قتادة : لكل حد وعلم لا يعدوه ولا يقصر دونه إذا جاء سلطان هذا ذهب سلطان هذا . وقال الحسن : إنهما لا يجتمعان في السماء ليلة الهلال خاصة . أي لا تبقى الشمس حتى يطلع القمر ، ولكن إذا غربت الشمس طلع القمر . يحيى بن سلام : لا تدرك الشمس القمر ليلة البدر خاصة لأنه يبادر بالمغيب قبل طلوعها . وقيل : معناه إذا اجتمعا في السماء كان أحدهما بين يدي الآخر في منازل لا يشتركان فيها . قاله ابن عباس أيضا . وقيل : القمر في السماء الدنيا والشمس في السماء الرابعة فهي لا تدركه . ذكره النحاس والمهدوي . قال النحاس : وأحسن ما قيل في معناها وأبينه مما لا يدفع : أن سير القمر سير سريع والشمس لا تدركه في السير ذكره المهدوي أيضا . فأما قوله سبحانه : " وجمع الشمس والقمر " [ القيامة : 9 ] فذلك حين حبس الشمس عن الطلوع على ما تقدم بيانه في آخر " الأنعام " {[13217]} ويأتي في سورة [ القيامة ] أيضا . وجمعهما علامة لانقضاء الدنيا وقيام الساعة . " وكل " يعني من الشمس والقمر والنجوم " في فلك يسبحون " أي يجرون . وقيل : يدورون . ولم يقل تسبح ؛ لأنه وصفها بفعل من يعقل . وقال الحسن : الشمس والقمر والنجوم في فلك بين السماء والأرض غير ملصقة ؛ ولو كانت ملصقة ما جرت ذكره الثعلبي والماوردي . واستدل بعضهم بقوله تعالى : " ولا الليل سابق النهار " على أن النهار مخلوق قبل الليل ، وأن الليل لم يسبقه بخلق . وقيل : كل واحد منهما يجيء وقته ولا يسبق صاحبه إلى أن يجمع بين الشمس والقمر يوم القيامة ؛ كما قال : " وجمع الشمس والقمر " وإنما هذا التعاقب الآن لتتم مصالح العباد . " لتعلموا عدد السنين والحساب " [ يونس :5 ] ويكون الليل للإجمام والاستراحة ، والنهار للتصرف . كما قال تعالى : " ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله " [ القصص : 73 ] وقال : " وجعلنا نومكم سباتا " أي راحة لأبدانكم من عمل النهار . فقوله : " ولا الليل سابق النهار " أي غالب النهار ، يقال : سبق فلان فلانا أي غلبه . وذكر المبرد قال : سمعت عمارة يقرأ : " ولا الليل سابق النهار " فقلت ما هذا ؟ قال : أردت سابق النهار فحذفت التنوين ؛ لأنه أخف . قال النحاس : يجوز أن يكون " النهار " منصوبا بغير تنوين ويكون التنوين حذف لالتقاء الساكنين .