فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{لَا ٱلشَّمۡسُ يَنۢبَغِي لَهَآ أَن تُدۡرِكَ ٱلۡقَمَرَ وَلَا ٱلَّيۡلُ سَابِقُ ٱلنَّهَارِۚ وَكُلّٞ فِي فَلَكٖ يَسۡبَحُونَ} (40)

{ لا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا } مرفوعة بالابتداء أي لا يصح ولا يمكن للشمس ولا يستقيم ولا يتسهل { أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ } في سرعة السير وتنزل في المنزل الذي فيه القمر وتجتمع معه في وقت واحد وتداخله في سلطانه فتطمس نوره لأن ذلك يخل بتكوين النبات وتعييش الحيوان ، ولأن لكل واحد منهما سلطانا على انفراده فلا يتمكن أحدهما من الدخول على الآخر فيذهب سلطانه إلى أن يأذن الله بالقيامة فتطلع الشمس من مغربها ، ويفهم من الآية أن حركتها بالتسخير لا بإرادتها .

ونفى الله تعالى الإدراك عن الشمس دون عكسه ، لأن مسير القمر أسرع ، لأنه يقطع فلكه في شهر ، والشمس لا تقطع فلكها إلا في سنة ، فكانت جديرة بأن توصف بنفي الإدراك لبطء سيرها ، وكان القمر خليقا بأن يوصف بنفي السبق لسرعة سيره كما سيأتي{[1399]} ، وقال الضحاك : معناه إذا طلعت الشمس لم يكن للقمر ضوء ، وإذا طلع القمر لم يكن للشمس ضوء ، وقال مجاهد : أي لا يشبه ضوء أحدهما ضوء الآخر ، وقال الحسن إنهما لا يجتمعان في السماء ليلة الهلال خاصة ، وكذا قال يحيى بن سلام .

وقيل : معناه إذا اجتمعا في السماء كان أحدهما بين يدي الآخر في منزل لا يشتركان فيه ، وقيل : القمر في سماء الدنيا والشمس في السماء الرابعة ذكره النحاس والمهدوي ، قال النحاس وأحسن ما قيل في معناه وأبينه أن سير القمر سريع والشمس لا تدركه في السير{[1400]} ، وأما قوله تعالى : وجمع الشمس والقمر فذلك حين حبس الشمس عن الطلوع على ما تقدم بيانه في الأنعام ، ويأتي في سورة القيامة أيضا ، وجمعهما علامة لانقضاء الدنيا وقيام الساعة .

{ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَار } أي لا يسبقه فيفوته ، ولكن يعاقبه ويجيء كل واحد منهما في وقته ، ولا يسبق صاحبه . وقيل : المراد من الليل والنهار آيتاهما وهما الشمس والقمر ، فيكون عكس قوله : لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر أي ولا القمر سابق الشمس ، وإيراد السبق مكان الإدراك لسرعة سير القمر وهما نيران لا يزال أمرهما على هذا الترتيب إلى أن تقوم الساعة ، فيجمع الله بين الشمس والقمر ، وتطلع الشمس من مغربها . وهذا لا ينافي في أن الليل برمته سابق في الوجود على النهار برمته ، وهو أحد قولين .

واستدل بعضهم بهذه الآية على أن النهار مخلوق قبل الليل وأن الليل لم يسبقه بالخلق ووجه الاستدلال : أن المعنى ليس الليل سابق النهار ، يعني بل النهار هو السابق وهذا ينظر إلى مقابلة جملة الليل بجملة النهار ، والآية محتملة لكل من القولين .

{ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ } التنوين في كل عوض من المضاف إليه أي وكل واحد منهما والفلك هو الجسم المستدير أو السطح المستدير أو الدائرة ، قال العماد بن كثير في البداية والنهاية : حكى ابن حزم وابن الجوزي وغير واحد الإجماع على أن السموات كروية مستديرة واستدل عليه بهذه الآية . قال الحسن : يدورون .

وقال ابن عباس في فلكة مثل فلكة المغزل قالوا : ويدل على ذلك أن الشمس تغرب كل ليلة من المغرب ثم تطلع في آخرها من المشرق . قال : ابن حجر حكي الإجماع على أن السموات مستديرة جمع وأقاموا عليه الأدلة وخالف في ذلك فرق يسيرة من أهل الجدل وقال ابن العربي : السموات ساكنة لا حركة فيها جعلها الله ثابتة مستقرة هي لنا كالسقف للبيت ، ولهذا سماها السقف المرفوع .

واستخرج أهل البديع من لفظ كل في فلك صنعة القلب ، ونحوه قوله تعالى : { وربك فكبر } والسبح السير بانبساط وسهولة ، والجمع باعتبار اختلاف مطالعهما فكأنهما متعددان بتعددها أو المراد الشمس والقمر والكواكب ،


[1399]:. للقمر مداره، والقمر كما هو معروف يدور حول الأرض والأرض تدور حول الشمس، والقمر يتبع الأرض بدورانها أيضا، كما ثبت علميا. فالكلام المذكور غير صحيح
[1400]:للقمر مداره، والقمر كما هو معروف يدور حول الأرض والأرض تدور حول الشمس، والقمر يتبع الأرض بدورانها أيضا، كما ثبت علميا. فالكلام المذكور غير صحيح