{ لا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا } مرفوعة بالابتداء أي لا يصح ولا يمكن للشمس ولا يستقيم ولا يتسهل { أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ } في سرعة السير وتنزل في المنزل الذي فيه القمر وتجتمع معه في وقت واحد وتداخله في سلطانه فتطمس نوره لأن ذلك يخل بتكوين النبات وتعييش الحيوان ، ولأن لكل واحد منهما سلطانا على انفراده فلا يتمكن أحدهما من الدخول على الآخر فيذهب سلطانه إلى أن يأذن الله بالقيامة فتطلع الشمس من مغربها ، ويفهم من الآية أن حركتها بالتسخير لا بإرادتها .
ونفى الله تعالى الإدراك عن الشمس دون عكسه ، لأن مسير القمر أسرع ، لأنه يقطع فلكه في شهر ، والشمس لا تقطع فلكها إلا في سنة ، فكانت جديرة بأن توصف بنفي الإدراك لبطء سيرها ، وكان القمر خليقا بأن يوصف بنفي السبق لسرعة سيره كما سيأتي{[1399]} ، وقال الضحاك : معناه إذا طلعت الشمس لم يكن للقمر ضوء ، وإذا طلع القمر لم يكن للشمس ضوء ، وقال مجاهد : أي لا يشبه ضوء أحدهما ضوء الآخر ، وقال الحسن إنهما لا يجتمعان في السماء ليلة الهلال خاصة ، وكذا قال يحيى بن سلام .
وقيل : معناه إذا اجتمعا في السماء كان أحدهما بين يدي الآخر في منزل لا يشتركان فيه ، وقيل : القمر في سماء الدنيا والشمس في السماء الرابعة ذكره النحاس والمهدوي ، قال النحاس وأحسن ما قيل في معناه وأبينه أن سير القمر سريع والشمس لا تدركه في السير{[1400]} ، وأما قوله تعالى : وجمع الشمس والقمر فذلك حين حبس الشمس عن الطلوع على ما تقدم بيانه في الأنعام ، ويأتي في سورة القيامة أيضا ، وجمعهما علامة لانقضاء الدنيا وقيام الساعة .
{ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَار } أي لا يسبقه فيفوته ، ولكن يعاقبه ويجيء كل واحد منهما في وقته ، ولا يسبق صاحبه . وقيل : المراد من الليل والنهار آيتاهما وهما الشمس والقمر ، فيكون عكس قوله : لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر أي ولا القمر سابق الشمس ، وإيراد السبق مكان الإدراك لسرعة سير القمر وهما نيران لا يزال أمرهما على هذا الترتيب إلى أن تقوم الساعة ، فيجمع الله بين الشمس والقمر ، وتطلع الشمس من مغربها . وهذا لا ينافي في أن الليل برمته سابق في الوجود على النهار برمته ، وهو أحد قولين .
واستدل بعضهم بهذه الآية على أن النهار مخلوق قبل الليل وأن الليل لم يسبقه بالخلق ووجه الاستدلال : أن المعنى ليس الليل سابق النهار ، يعني بل النهار هو السابق وهذا ينظر إلى مقابلة جملة الليل بجملة النهار ، والآية محتملة لكل من القولين .
{ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ } التنوين في كل عوض من المضاف إليه أي وكل واحد منهما والفلك هو الجسم المستدير أو السطح المستدير أو الدائرة ، قال العماد بن كثير في البداية والنهاية : حكى ابن حزم وابن الجوزي وغير واحد الإجماع على أن السموات كروية مستديرة واستدل عليه بهذه الآية . قال الحسن : يدورون .
وقال ابن عباس في فلكة مثل فلكة المغزل قالوا : ويدل على ذلك أن الشمس تغرب كل ليلة من المغرب ثم تطلع في آخرها من المشرق . قال : ابن حجر حكي الإجماع على أن السموات مستديرة جمع وأقاموا عليه الأدلة وخالف في ذلك فرق يسيرة من أهل الجدل وقال ابن العربي : السموات ساكنة لا حركة فيها جعلها الله ثابتة مستقرة هي لنا كالسقف للبيت ، ولهذا سماها السقف المرفوع .
واستخرج أهل البديع من لفظ كل في فلك صنعة القلب ، ونحوه قوله تعالى : { وربك فكبر } والسبح السير بانبساط وسهولة ، والجمع باعتبار اختلاف مطالعهما فكأنهما متعددان بتعددها أو المراد الشمس والقمر والكواكب ،
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.