التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{لَا ٱلشَّمۡسُ يَنۢبَغِي لَهَآ أَن تُدۡرِكَ ٱلۡقَمَرَ وَلَا ٱلَّيۡلُ سَابِقُ ٱلنَّهَارِۚ وَكُلّٞ فِي فَلَكٖ يَسۡبَحُونَ} (40)

قوله : { لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ } أي لا يستقيم للشمس ولا يتسهَّل لها ولا يصح أن تلحق القمر فتجتمع معه في وقت واحد ، أو تُداخله في مجاله وسلطانه فتطمس نوره ؛ فإن كل واحد منهما له سلطان على حياله فسلطان الشمس بالنهار وسلطان القمر بالليل .

قوله : { وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ } لا يسبق الليلُ النهارَ . ويُفهم من ذلك أن الليل مسبوق وليس سابقا . وقيل المراد من الليل هنا سلطان الليل وهو القمر وهو لا يستبق الشمس بالحركة اليومية السريعة ، ويُفهم أيضا أنه لا فترة بين الليل والنهار بل كل منهما يعقب الآخر بلا مهلة ولا تراخ . فهما مسخران ، دائبين إلى قيام الساعة وحينئذ تفضي الكائنات والأجرام وسائر الخلائق إلى نهايتها المحتومة وهي الفناء والانهيار أو الانقلاب الكوني الشامل .

قوله : { وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ } { وكلّ } ، أي وكلهم . والتنوين عوض المضاف إليه . والضمير للشموس والأقمار . فإن اختلاف الأحوال يوجب تعددا في الذات . أو للكواكب ، أو الليل والنهار والشمس والقمر ، فكلهم { فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ } أي يسيرون أو يدورون في فلك السماء . وهو مدار النجوم وجمعه أفلاك . والفلك من كل شيء : مستداره ومعظمه . وتفلَّكَ أي استدار . ومنه فَلْكةُ المغزل{[3908]} قال ابن عباس وغيره من السلف : كل يدور في فلِكةٍ كفلكة المغزل{[3909]} .

هذه دلائل ظاهرة وآيات بينات تشهد بأن هذا القرآن حق وأنه معجز فلا يقوى على معارضته بشر . وهو بما حواه من مثل هذه الحقائق الكونية التي ما كانت الأذهان في غابر الأزمان لتتصورها – يكشف إعجازه البالغ وعن سمو مستواه الرفيع الذي يفوق الأزمان والأذهان والأحوال . إن هذه الآيات العظيمة التي تتجلى فيها مَزِيَّة الجِدّةِ والنضارة والنصوع وانتفاء البِلى والخُلوق حتى لكأنما أُنزلت الساعة – لهي دليل مجلجل على أن القرآن منزل من لدن إله مقتدر حكيم .


[3908]:القاموس المحيط ص 1227
[3909]:تفسير النسفي ج 4 ص 8-9 وتفسير البيضاوي ص 585 وتفسير ابن كثير ج 3 ص 573