فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{لَا ٱلشَّمۡسُ يَنۢبَغِي لَهَآ أَن تُدۡرِكَ ٱلۡقَمَرَ وَلَا ٱلَّيۡلُ سَابِقُ ٱلنَّهَارِۚ وَكُلّٞ فِي فَلَكٖ يَسۡبَحُونَ} (40)

{ لاَ الشمس يَنبَغِى لَهَا أَن تدْرِكَ القمر } الشمس مرفوعة بالابتداء ، لأنه لا يجوز أن تعمل لا في المعرفة : أي لا يصح ، ولا يمكن للشمس أن تدرك القمر في سرعة السير ، وتنزل في المنزل الذي فيه القمر ؛ لأن لكل واحد منهما سلطاناً على انفراده ، فلا يتمكن أحدهما من الدخول على الآخر ، فيذهب سلطانه إلى أن يأذن الله بالقيامة ، فتطلع الشمس من مغربها . وقال الضحاك معناه : إذا طلعت الشمس لم يكن للقمر ضوء ، وإذا طلع القمر لم يكن للشمس ضوء . وقال مجاهد : أي لا يشبه ضوء أحدهما ضوء الآخر . وقال الحسن : إنهما لا يجتمعان في السماء ليلة الهلال خاصة ، وكذا قال يحيى بن سلام .

وقيل معناه : إذا اجتمعا في السماء كان أحدهما بين يدي الآخر في منزل لا يشتركان فيه . وقيل : القمر في سماء الدنيا ، والشمس في السماء الرابعة . ذكره النحاس ، والمهدوي . قال النحاس : وأحسن ما قيل في معناه ، وأبينه : أن سير القمر سير سريع ، والشمس لا تدركه في السير . وأما قوله : { وَجُمِعَ الشمس والقمر } [ القيامة : 9 ] ، فذلك حين حبس الشمس عن الطلوع على ما تقدّم بيانه في الأنعام ، ويأتي في سورة القيامة أيضاً ، وجمعهما علامة لانقضاء الدنيا ، وقيام الساعة { وَلاَ اليل سَابِقُ النهار } أي يسبقه ، فيفوته ، ولكن يعاقبه ، ويجيء كل واحد منهما في وقته ، ولا يسبق صاحبه ، وقيل : المراد من الليل والنهار : آيتاهما ، وهما الشمس والقمر ، فيكون عكس قوله : { لاَ الشمس يَنبَغِى لَهَا أَن تدْرِكَ القمر } أي ولا القمر سابق الشمس ، وإيراد السبق مكان الإدراك لسرعة سير القمر { وَكُلٌّ في فَلَكٍ يَسْبَحُونَ } التنوين في كلّ عوض عن المضاف إليه : أي وكل واحد منهما ، والفلك : هو الجسم المستدير ، أو السطح المستدير أو الدائرة ، والخلاف في كون السماء مبسوطة ، أو مستديرة معروف ، والسبح : السير بانبساط وسهولة ، والجمع في قوله { يَسْبَحُونَ } باعتبار اختلاف مطالعهما ، فكأنهما متعدّدان بتعدّدها ، أو المراد : الشمس والقمر والكواكب .

/خ40