{ لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر } : ينبغي لها مستعملة فيما لا يمكن خلافه ، أي لم يجعل لها قدرة على ذلك ، وهذا الإدراك المنبغي هو ، قال الزمخشري : إن الله تعالى جعل لكل واحد من الليل والنهار وآيتيهما قسماً من الزمان ، وضرب له حداً معلوماً ، ودبر أمرهما على التعاقب .
فلا ينبغي للشمس أن لا يستهل لها ، ولا يصح ، ولا يستقيم ، لوقوع التدبير على العاقبة .
وإن جعل لكل واحد من النيرين سلطان ، على حياله أن يدرك القمر ، فتجتمع معه في وقت واحد ، وتداخله في سلطانه ، فتطمس نوره .
ولا يسبق الليل النهار ، يعني آية الليل آية النهار ، وهما النيران .
ولا يزال الأمر على هذا الترتيب إلى أن يبطل الله ما دبر من ذلك ، وينقص ما ألف ، فيجمع بين الشمس والقمر ، فتطلع الشمس من مغربها .
وقال ابن عباس ، والضحاك : إذا طلعت ، لم يكن للقمر ضوء ؛ وإذا طلع ، لم يكن للشمس ضوء .
وقال مجاهد : لا يشبه ضوء أحدهما ضوء الآخر .
وقال قتادة : لكل أحد حدّ لا يعدوه ولا يقصر دونه ، إذا جاء سلطان هذا ذهب هذا .
وقال ابن عباس أيضاً : إذا اجتمعا في السماء ، كان أحدهما بين يدي الآخر ، في منازل لا يشتركان فيها .
وقال الحسن : لا يجتمعان في السماء ليلة الهلال خاصة ، أي لا تبقى الشمس حتى يطلع الفجر ، ولكن إذا غربت طلع .
وقال يحيى بن سلام : لا تدركه ليلة البدر خاصة ، لأنه يبادر بالمغيب قبل طلوعها .
وقيل : لا يمكنها أن تدركه في سرعته ، لأن دائرة فلك القمر داخلة في فلك عطارد ، وفك عطارد داخل في فلك الزهرة ، وفلك الزهرة داخل في فلك الشمس .
فإذا كان طريق الشمس أبعد ، قطع القمر جميع أجزاء فلكه ، أي من البروج الاثني عشر ، في زمان تقطع الشمس فيه برجاً واحداً من فلكه .
وقال النحاس : ما قيل فيه ، وأبينه أن مسير القمر مسير سريع ، والشمس لا تدركه في السير .
انتهى ، وهو ملخص القول الذي قبله : { ولا الليل سابق النهار } ، لا يعارض قوله : { يغشي الليل النهار يطلبه حثيثاً } لأن ظاهر قوله : { يطلبه حثيثاً } ، أن النهار سابق أيضاً ، فيوافق الظاهر .
وفهم أبو عبد الله الرازي من قوله : { يطلبه حثيثاً } أن النهار يطلب الليل ، والليل سابقه .
وفهم من قوله : { ولا الليل سابق النهار } ، أن الليل مسبوق لا سابق ، فأورده سؤالاً .
وقال : كيف يكون الليل سابقاً مسبوقاً ؟ وأجاب بأن المراد من الليل هنا سلطان الليل ، وهو القمر ، وهو لا يسبق الشمس بالحركة اليومية السريعة .
والمراد من الليل هناك نفس الليل ، وكل واحد لما كان في عقب الآخر كان طالبه . انتهى .
وعرض له هذا السؤال لكونه جعل الضمير الفاعل في يطلبه عائداً على النهار ، وضمير المفعول عائداً على الليل .
والظاهر أن ضمير الفاعل عائد على ما هو الفاعل في المعنى وهو الليل ، لأنه كان قبل دخول همزة النقل { يغشى اليل النهار } وضمير المفعول عائد على النهار ، لأنه المفعول قبل النقل وبعده .
وقرأ عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير الخطفي : سابق بغير تنوين ، النهار : بالنصب .
قال المبرد : سمعته يقرأ فقلت : ما هذا ؟ قال : أردت سابق النهار ، فحذفت لأنه أخف .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.