( فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا ) . .
ذلك أن سنة الله قد جرت على أن لا تقبل التوبة بعد ظهور بأس الله : فهي توبة الفزع لا توبة الإيمان :
( سنة الله التي قد خلت في عباده ) . .
وسنة الله ثابتة لا تضطرب ولا تختلف ولا تحيد عن الطريق .
وعلى هذا المشهد العنيف . مشهد بأس الله يأخذ المكذبين . ومشهدهم يستغيثون ويفزعون ، ويعلنون كلمة الإذعان والتسليم . تختم السورة . فيتناسق هذا الختام مع جوها وظلها وموضوعها الأصيل .
ولقد مررنا في ثنايا السورة بقضايا العقيدة التي تعالجها السور المكية : قضية التوحيد ، وقضية البعث ، وقضية الوحي . . ولكنها لم تكن هي موضوع السورة البارز . إنما كانت المعركة بين الحق والباطل ، والإيمان والكفر ، والصلاح والطغيان ، هي البارزة ، وكانت ملامح المعركة هي التي ترسم " شخصية السورة " . . وسماتها المميزة لها بين سور القرآن . . .
فلم يك ينفعهم إيمانهم : فلم يصح ولم يستقم ، لامتناع قبول الإيمان بعد فوات الأوان .
سنة الله : أي : سنّ الله ذلك سنة ماضية في العباد ، ألا ينفعهم الإيمان وقت نزول العذاب .
وخسر هنالك الكافرون : وهلك في مكان نزول العذاب الكافرون .
85- { فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون } .
أعطى الله الإنسان العقل والإرادة والاختيار ، وجعل ذلك مناط التكليف ، ومن سنة الله تعالى الماضية في السابقين واللاحقين أنه لا يقبل الإيمان في حالة الإلجاء والاضطرار ، كإيمان فرعون حين رأى الغرق أعلن إيمانه بعد أن عصى واستكبر وأعلن الفساد والعناد ؛ فلم يقبل منه الإيمان ، ونجى الله بدنه فقط ليحنط ويظل دليلا ملموسا على عاقبة الظلم والفساد ، وعلى أن الإيمان لا ينفع صاحبه عند رؤية العذاب ؛ لأنه إيمان عن إلجاء واضطرار لا عن رويّة واختيار .
وحدّوا الله وكفروا بالطاغوت ، ولكن حيث لا تقال العثرات ، ولا تنفع المعذرة ، وهذا كما قال فرعون حين أدركه الغرق : { آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين } . ( يونس : 90 ) ، فلم يقبل الله منه ، لأنه قد استجاب لنبيه موسى عليه السلام {[639]} .
وهكذا قال تعالى : ههنا : { فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده . . . }
أي : هذا حكم الله في جميع من تاب عند معاينة العذاب أنّه لا يقبل ، ولهذا جاء في الحديث : " إن الله تعالى يقبل توبة العبد ما لم يُغرغر " {[640]} ، ولهذا قال تعالى : { وخسر هنالك الكافرون } . ا ه .
2- عقوبة الجدال بالباطل في آيات الله .
3- وصف الملائكة الذين يحملون العرش ومن حوله .
5-وصف أهوال القيامة على الكافرين .
6-طلب الكفار الرجوع إلى الدنيا ، ثم رفض هذا الطلب .
7-إقامة الأدلة على وجود الإله القادر .
8-إنذار المشركين بأهوال القيامة
10-قصة مؤمن آل فرعون ونُصْحه لقومه بالإيمان .
11-نقاش الضعفاء والكبراء من أهل النار .
12-أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالصبر على أذى قومه ، كما صبر أولو العزم من الرسل .
13-تعداد نعم الله على عباده في البر والبحر .
14-الإيمان لا يقبل إلا عن طواعية واختيار ، ويُرفض عند الإلجاء والاضطرار .
" فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا " فلم ينفعهم إيمانهم بالله عند معاينة العذاب وحين رأوا البأس . " سنة الله التي قد خلت في عباده " " سنة الله " مصدر ؛ لأن العرب تقول : سن يسن سنا وسنة ، أي سن الله عز وجل في الكفار أنه لا ينفعهم الإيمان إذا رأوا العذاب . وقد مضى هذا مبينا في " النساء " {[13408]} و " يونس " {[13409]} وأن التوبة لا تقبل بعد رؤية العذاب وحصول العلم الضروري . وقيل : أي احذروا يا أهل مكة سنة الله في إهلاك الكفرة ف " سنة الله " منصوب على التحذير والإغراء . " وخسر هنالك الكافرون " قال الزجاج : وقد كانوا خاسرين من قبل ذلك إلا أنه بين لنا الخسران لما رأوا العذاب . وقيل : فيه تقديم وتأخير ، أي " لم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا " " وخسر هنالك الكافرون " كسنتنا في جميع الكافرين ف " سنة " نصب بنزع الخافض أي كسنة الله في الأمم كلها . والله أعلم .
ولما كان الكفر بالغيب سبباً لعدم قبول الإيمان عند الشهادة قال : { فلم يك } أي لم يصح ولم يقبل بوجه من الوجوه لأنه لا كون يساعد على ذلك ولا بأدنى درجات الكون ، فأشار بكان إلى أن هذا أمر مستقر وشأن مستمر لكل أمة ليس خاصاً بالمحدث عنهم ، ومن مضى قبلهم وبحذف لام الكلمة إلى أنهم أمعنوا في الترقق بتقرير الإيمان وتكريره وتصريحه في إطلاقه وتسريحه ، والوقت ضيق والمجال حصير ، وقد أزفت الآزفة ، ليس لها من دون الله كاشفة ، فلم يكونوا لفوات الوقت موفين بما طلب منهم { ينفعهم إيمانهم } أي يتجدد لهم نفعه بعد ذلك لأنه إيمان إلجاء واضطرار لا إيمان طواعية واختيار { لما رأوا } وأظهر موضع الإضمار زيادة في الترهيب فقال : { بأسنا } لإن الإيمان لا يتحقق ولا يتصور إلا مع الغيب ، وأما عند الشهادة فقد كشفت سريرته على أنه قد فاتت حقيقته وصورته ، فلو ردوا لعادوا ، ولو أتاهم بعد ذلك العذاب لانقادوا ، ولهذا السر قال تعالى صارفاً القول إلى الاسم المقتضي لمزج الحكمة بالعظمة : { سنت الله } أي سن الملك الأعظم المحيط علماً وقدرة ذلك في كل دهر سنة ، ولذا قال : { التي قد خلت في عباده } أن الإيمان بعد كشف الغطاء لا يقبل ، وكل أمة كذبت الرسل أهلكت ، وكل من أجيب إلى الإيمان المقترحة فلم يؤمن عذب ، سنها سنة وأمضاها عزمة ، فلا غير لها ، فربح إذ ذاك المؤمنون { وخسر } أي هلك أو تحقق وتبين أنه خسر . ولما كان المكان لا ينفك عن الزمان ، استعير ظرفه له وليدل على غاية التمكن فقيل : { هنالك } أي في ذلك الوقت العظيم الشأن بما كان فيه وكان { الكافرون * } أي العريقون في هذا الوصف فلا انفكاك بينهم وبينه ، وقد التف آخرها بما بين من كمال العزة وتمام القدرة وشمول العلم مما رتب من أسباب الهداية والإضلال والإشقاء والإسعاد والنجاة والإهلاك بأولها أي التفاف ، واكتنفت البداية والنهاية بيان ذلك مع ما اشتمل عليه الوسط أيضاً منه أعظم اكتناف ، فسبحان من هذا إنزاله ، وتبارك اسمه وجل جلاله ، ولا إله سواه ولا حول ولا قوة إلا بالله - رب سهل يا كريم .
وقد التف آخرها بما بين من كمال العزة وتمام القدرة وشمول العلم مما رتب من أسباب الهداية والإضلال والإشقاء والإسعاد والنجاة والإهلاك بأولها أي التفاف ، واكتنفت البداية والنهاية بيان ذلك مع ما اشتمل عليه الوسط أيضاً منه أعظم اكتناف ، فسبحان من هذا إنزاله ، وتبارك اسمه وجل جلاله ، ولا إله سواه ولا حول ولا قوة إلا بالله - رب سهل يا كريم .