سورة الشمس مكية وآياتها خمس عشرة
هذه السورة القصيرة ذات القافية الواحدة ، والإيقاع الموسيقي الواحد ، تتضمن عدة لمسات وجدانية تنبثق من مشاهد الكون وظواهره التي تبدأ بها السورة والتي تظهر كأنها إطار للحقيقة الكبيرة التي تتضمنها السورة . حقيقة النفس الإنسانية ، واستعداداتها الفطرية ، ودور الإنسان في شأن نفسه ، وتبعته في مصيرها . . هذه الحقيقة التي يربطها سياق السورة بحقائق الكون ومشاهده الثابتة .
كذلك تتضمن قصة ثمود ، وتكذيبها بإنذار رسولها ، وعقرها للناقة ، ومصرعها بعد ذلك وزوالها . وهي نموذج من الخيبة التي تصيب من لا يزكي نفسه ، فيدعها للفجور ، ولا يلزمها تقواها : كما جاء في الفقرة الأولى في السورة : ( قد أفلح من زكاها . وقد خاب من دساها ) . .
( والشمس وضحاها . والقمر إذا تلاها . والنهار إذا جلاها . والليل إذا يغشاها . والسماء وما بناها . والأرض وما طحاها . ونفس وما سواها . فألهمها فجورها وتقواها . قد أفلح من زكاها . وقد خاب من دساها ) . .
يقسم الله سبحانه بهذه الخلائق والمشاهد الكونية ، كما يقسم بالنفس وتسويتها وإلهامها . ومن شأن هذا القسم أن يخلع على هذه الخلائق قيمة كبرى ؛ وأن يوجه إليها القلوب تتملاها ، وتتدبر ماذا لها من قيمة وماذا بها من دلالة ، حتى استحقت أن يقسم بها الجليل العظيم .
ومشاهد الكون وظواهره إطلاقا بينها وبين القلب الإنساني لغة سرية ! متعارف عليها في صميم الفطرة وأغوار المشاعر . وبينها وبين الروح الإنساني تجاوب ومناجاة بغير نبرة ولا صوت ، وهي تنطق للقلب ، وتوحي للروح ، وتنبض بالحياة المأنوسة للكيان الإنساني الحي ، حيثما التقى بها وهو مقبل عليها ، متطلع عندها إلى الأنس والمناجاة والتجاوب والإيحاء .
ومن ثم يكثر القرآن من توجيه القلب إلى مشاهد الكون بشتى الأساليب ، في شتى المواضع . تارة بالتوجيهات المباشرة ، وتارة باللمسات الجانبية كهذا القسم بتلك الحقائق والمشاهد ، ووضعها إطارا لما يليها من الحقائق . وفي هذا الجزء بالذات لاحظنا كثرة هذه التوجيهات واللمسات كثرة ظاهرة . فلا تكاد سورة واحدة تخلو من إيقاظ القلب لينطلق إلى هذا الكون ، يطلب عنده التجاوب والإيحاء . ويتلقى عنه - بلغة السر المتبادل - ما ينطق به من دلائل وما يبثه من مناجاة !
وهنا نجد القسم الموحي بالشمس وضحاها . . بالشمس عامة وحين تضحى وترتفع عن الأفق بصفة خاصة . وهي أروق ما تكون في هذه الفترة وأحلى . في الشتاء يكون وقت الدفء المستحب الناعش . وفي الصيف يكون وقت الإشراق الرائق قبل وقدة الظهيرة وقيظها . فالشمس في الضحى في أروق أوقاتها وأصفاها . وقد ورد أن المقصود بالضحى هو النهار كله ، ولكنا لا نرى ضرورة للعدول عن المعنى القريب للضحى . وهو ذو دلالة خاصة كما رأينا .
( سورة الشمس مكية ، وآياتها 15 آية ، نزلت بعد سورة القدر )
وهي سورة قصيرة ذات قافية واحدة ، وإيقاع موسيقي واحد ، تتضمن عدة لمسات وجدانية تنبثق من مشاهد الكون وظواهره التي تبدأ بها السورة ، والتي تظهر كأنها إطار للحقيقة الكبيرة التي تتضمنها السورة ، حقيقة النفس الإنسانية واستعدادها الفطري ، ودور الإنسان في شأن نفسه ، وتبعته في مصيرها . . . هذه الحقيقة التي تربطها سياق السورة بحقائق الكون ومشاهده الثابتة .
( كذلك تتضمن قصة ثمود وتكذيبها بإنذار رسولها ، وعقرها للناقة ، ومصرعها بعد ذلك وزوالها ، وهي نموذج من الخيبة التي تصيب من لا يزكى نفسه ، فيدعها للفجور )i ، ولا يلزمها تقواها ، كما جاء في الفقرة الأولى من السورة : قد أفلح من زكّاها* وقد خاب من دسّاها . ( الشمس : 9 ، 10 ) .
لله تعالى كتابان : كتاب مقروء وهو القرآن الكريم ، وكتاب مفتوح وهذا هو الكون العظيم ، ومشاهد الكون تأسر القلب ، وتبهج النفس ، وتوقظ الحس ، وتنبّه المشاعر .
( ومن ثم يكثر القرآن من توجيه القلب إلى مشاهد الكون بشتى الأساليب في شتى المواضع ، تارة بالتوجيهات المباشرة ، وتارة باللمسات الجانبية ، كهذا القسم بتلك الخلائق والمشاهد ، ووضعها إطارا لما يليها من الحقائق )ii .
1- أقسم الله بالشمس ، وبنورها الساطع في وقت الضحى ، وهو الوقت الذي يظهر فيه ضوء النهار ، ويتجلى نور الشمس ، ويعم الدفء في الشتاء ، والضياء في الصيف ، قبل حر الظهيرة وقيظها .
2- وأقسم الله بالقمر إذا جاء بعد الشمس ، بنوره اللطيف الهادئ الذي يغمر الكون بالضياء والأنس والجمال .
3- وأقسم بالنهار إذا أظهر الشمس وأتم وضوحها ، وللنهار في حياة الإنسان آثار جليلة ، ففيه السعي والحركة والنشاط .
4- وأقسم الله بالليل إذا غشي الكون ، فغطى ظلامه الكائنات ، وحجب نور الشمس وأخفاه .
5- وأقسم الله بالسماء ومن قدّر خلقها ، وأحكم صنعها على النحو الذي نشاهده .
6- وأقسم الله بالأرض ، والذي بسطها ومهّدها للسكنى .
لقد جمع القسم بين ضياء الشمس ونور القمر ، وضوء النهار وظلام الليل ، وارتفاع السماء وبسط الأرض ، ونلحظ في هذا القسم المقابلة بين النور والظلام ، وبين السماء والأرض ، مما يلفت النظر إلى بديع صنع الله ، وجليل وحيه وإعجاز كتابه .
7-10- ونفس وما سوّاها* فألهمها فجورها وتقواها* قد أفلح من زكّاها* وقد خاب من دسّاها .
خلق الله الإنسان مزودا باستعدادات متساوية للخير والشر والهدى والضلال ، فهو قادر على توجيه نفسه إلى الخير وإلى الشر .
لقد خلق الله الإنسان بيده ، ونفخ فيه من روحه ، وأسجد له ملائكته ، وزوده بالعقل والإرادة ، والحرية والاختيار . وقد بين الله للإنسان طريق الهدى وطرق الضلال ، وأودع في النفس البشرية أصول المعرفة ، والتمييز بين الحق والباطل ، فمن حمل نفسه على الاستقامة وصانها عن الشر فقد رزق الفلاح والسداد ، ومن أهمل نفسه واتبع شهواته ، وأرخى العنان لنزواته فقد خاب ، لأنه هوى بنفسه من سمو الطاعة إلى حضيض المعصية .
11-15- كذّبت ثمود بطغواها* إذ انبعث أشقاها* فقال لهم رسول الله ناقة الله وسقياها* فكذّبوه فعقروها فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسوّاها* ولا يخاف عقباها .
ذكرت قصة ثمود في مواضع كثيرة من القرآن الكريم ، وقد ذكر هنا طغيانها وعتوّها على أمر الله ، وقد أعطى الله نبيهم صالحا الناقة آية مبصرة ، فكانت تشرب وحدها من الماء في يوم ، وتحلب لهم لبنا يكفيهم جميعا في ذلك اليوم ، ثم يشربون من الماء في اليوم التالي ، وقد حذرهم رسول الله صالح من الإساءة إلى الناقة ، ولكنهم خالفوا أمره ، وذهب شقي منهم فعقر الناقة ، ولما سكتوا عنه صاروا كأنهم قد اشتركوا معه ، لأنهم أهملوا التناصح ، ولم يأخذوا على يد الظالم : فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسوّاها . فأطبق عليهم العذاب ، وسوّى الله القبيلة بالأرض ، أي دمر مساكنها على ساكنيها .
ولا يخاف عقباها . أي أن الله أهلك القبيلة دون أن يخشى عاقبة ما فعل ، لأنه عادل لا يخاف عاقبة ما يفعل ، قويّ لا يخاف أن يناله مكروه من أحد ، تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا .
1- القسم بالشمس والقمر ، والنهار والليل ، والسماء والأرض والنفس ، على أن من طهّر نفسه بالأخلاق الفاضلة فقد أفلح وفاز ، ومن سلك طريق الهوى والغواية فقد خاب وشقى .
{ والشمس وضحاها 1 والقمر إذا تلاها 2 والنهار إذا جلاّها 3 والليل إذا يغشاها 4 والسماء وما بناها 5 والأرض وما طحاها 6 ونفس وما سوّاها 7 فألهمها فجورها وتقواها 8 قد أفلح من زكّاها 9 وقد خاب من دسّاها 10 }
أقسم بالشمس التي تملأ الكون بالنور والضياء والدفء ، وتمدّ الكون بأشعتها ، وتساعد في نمو الإنسان والحيوان والنبات والمخلوقات ، وأقسم بالضحى حيث تكون الشمس مشرقة دافئة في الشتاء ، متوسطة الحرارة في الصيف ، فهما قسمان :
وقد شرعت صلاة الضحى كشكر لله على نعمه ، في إمداد الكون بالنور والضوء ليعمل الناس ويبحثوا عن أسباب الرزق .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.