في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَوَرَبِّكَ لَنَحۡشُرَنَّهُمۡ وَٱلشَّيَٰطِينَ ثُمَّ لَنُحۡضِرَنَّهُمۡ حَوۡلَ جَهَنَّمَ جِثِيّٗا} (68)

ثم يعقب على هذا الإنكار والاستنكار بقسم تهديدي . يقسم الله تعالى بنفسه وهو أعظم قسم وأجله ؛ أنهم سيحشرون - بعد البعث فهذا أمر مفروغ منه :

( فوربك لنحشرنهم ) . . ولن يكونوا وحدهم . فلنحشرنهم( والشياطين )فهم والشياطين سواء . والشياطين هم الذين يوسوسون بالإنكار ، وبينهما صلة التابع والمتبوع ، والقائد والمقود . .

وهنا يرسم لهم صورة حسية وهم جاثون حول جهنم جثو الخزي والمهانة : ( ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا ) . . وهي صورة رهيبة وهذه الجموع التي لا يحصيها العد محشورة محضرة إلى جهنم جاثية حولها ، تشهد هولها ويلفحها حرها ، وتنتظر في كل لحظة أن تؤخذ فتلقى فيها . وهم جاثون على ركبهم في ذلة وفزع . .

وهو مشهد ذليل للمتجبرين المتكبرين ،

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَوَرَبِّكَ لَنَحۡشُرَنَّهُمۡ وَٱلشَّيَٰطِينَ ثُمَّ لَنُحۡضِرَنَّهُمۡ حَوۡلَ جَهَنَّمَ جِثِيّٗا} (68)

القول في تأويل قوله تعالى : { فَوَرَبّكَ لَنَحْشُرَنّهُمْ وَالشّيَاطِينَ ثُمّ لَنُحْضِرَنّهُمْ حَوْلَ جَهَنّمَ جِثِيّاً } .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : فوربك يا محمد لنحشرنّ هؤلاء القائلين : أئذا متنا لسوف نخرج أحياء يوم القيامة من قبورهم ، مقرنين بأوليائهم من الشياطين ثُمّ لَنُحْضِرَنّهُمْ حَوْلَ جَهَنّمَ جِثِيّا والجثي : جمع الجاثي . كما :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : ثُمّ لَنُحْضِرَنّهُمْ حَوْلَ جَهَنّمَ جِثيّا يعني : القعود ، وهو مثل قوله : وَتَرَى كُلّ أُمةٍ جاثِيَةً .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَوَرَبِّكَ لَنَحۡشُرَنَّهُمۡ وَٱلشَّيَٰطِينَ ثُمَّ لَنُحۡضِرَنَّهُمۡ حَوۡلَ جَهَنَّمَ جِثِيّٗا} (68)

الفاء تفريع على جملة { أو لا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل } [ مريم : 67 ] ، باعتبار ما تضمنته من التهديد . وواو القسم لتحقيق الوعيد . والقسم بالرب مضافاً إلى ضمير المخاطب وهو النبي صلى الله عليه وسلم إدماج لتشريف قدره .

وضمير { لنحشرنهم } عائد إلى { الإنسان } [ مريم : 66 ] المراد به الجنس المفيد للاستغراق العرفي كما تقدم ، أي لنحشرن المشركين .

وعطف ( الشياطين ) على ضمير المشركين لقصد تحقيرهم بأنهم يحشرون مع أحقر جنس وأفسده ، وللإشارة إلى أن الشياطين هم سبب ضلالهم الموجب لهم هذه الحالة ، فحشرهم مع الشياطين إنذار لهم بأن مصيرهم هو مصير الشياطين وهو محقق عندالناس كلهم . فلذلك عطف عليه جملة { ثم لنُحضِرنّهم حول جهنّم جثيّاً } ، والضميرُ للجميع . وهذا إعداد آخر للتقريب من العذاب فهو إنذار على إنذار وتدرج في إلقاء الرّعب في قلوبهم . فحرف { ثم للترتيب الرتبي لا للمهلة إذ ليست المهلة مقصودة وإنما المقصود أنهم ينقلون من حالة عذاب إلى أشد .

و { جثيّاً } حال من ضمير { لنحضرنهم } ، والجُثيّ : جمع جَاثثٍ . ووزنه فُعول مثل : قاعد وقُعود وجالس وجُلوس ، وهو وزن سماعيّ في جمع فاعل . وتقدّم نظيره { خروا سجداً وبكياً } [ مريم : 58 ] ، فأصل جُثي جُثُور بواوَين لأن فعله واوي ، يقال : جثا يَجثو إذا بَرك على ركبتيه وهي هيئة الخاضع الذليل ، فلمّا اجتمع في جثووٌ واوان استثقلا بعد ضمّة الثاء فصير إلى تخفيفه بإزالة سبب الثقل السابق وهو الضمة فعوضت بكسر الثاء ، فلمّا كسرت الثاء تعين قلب الواو الموالية لها ياءً للمناسبة فاجتمع الواو والياء وسبق أحدهما بالسكون فقلبت الواو الأخرى ياء وأدغمتا فصار جثي .

وقرى حمزة ، والكسائي ، وحفص ، وخلف بكسر الجيم وهو كسر إتباع لحركة الثاء .

وهذا الجثو هو غير جثوّ الناس في الحشر المحكيّ بقوله تعالى : { وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها } [ الجاثية : 28 ] فإن ذلك جثوّ خضوع لله ، وهذا الجثوّ حول جهنّم جثوّ مذلّة .