وفي النهاية تختم السورة بمثل ما بدأت ، ولكن في إعلان عام جهير الصوت ، عالي الصدى ، لتبليغ البشرية كلها في كل مكان :
( هذا بلاغ للناس ، ولينذروا به ، وليعلموا أنما هو إله واحد ، وليذكر أولو الألباب )
إن الغاية الأساسية من ذلك البلاغ وهذا الإنذار ، هي أن يعلم الناس ( أنما هو إله واحد ) فهذه هي قاعدة دين الله التي يقوم عليها منهجه في الحياة .
وليس المقصود بطبيعة الحال مجرد العلم ، إنما المقصود هو إقامة حياتهم على قاعدة هذا العلم . . المقصود هو الدينونة لله وحده ، ما دام أنه لا إله غيره . فالإله هو الذي يستحق أن يكون ربا - أي حاكما وسيدا ومتصرفا ومشرعا وموجها - وقيام الحياة البشرية على هذه القاعدة يجعلها تختلف اختلافا جوهريا عن كل حياة تقوم على قاعدة ربوبية العباد للعباد - أي حاكمية العباد للعباد ودينونة العباد للعباد - وهو اختلاف يتناول الاعتقاد والتصور ، ويتناول الشعائر والمناسك ؛ كما يتناول الأخلاق والسلوك ، والقيم والموازين ؛ وكما يتناول الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، وكل جانب من جوانب الحياة الفردية والجماعية على السواء .
إن الاعتقاد بالألوهية الواحدة قاعدة لمنهج حياة متكامل ؛ وليس مجرد عقيدة مستكنة في الضمائر . وحدود العقيدة أبعد كثيرا من مجرد الاعتقاد الساكن . . إن حدود العقيدة تتسع وتترامى حتى تتناول كل جانب من جوانب الحياة . . وقضية الحاكمية بكل فروعها في الإسلام هي قضية عقيدة . كما أن قضية الأخلاق بجملتها هي قضية عقيدة . فمن العقيدة ينبثق منهج الحياة الذي يشتمل الأخلاق والقيم ؛ كما يشتمل الأوضاع والشرائع سواء بسواء . .
ونحن لا ندرك مرامي هذا القرآن قبل أن ندرك حدود العقيدة في هذا الدين ، وقبل أن ندرك مدلولات : " شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله " على هذا المستوى الواسع البعيد الآماد . وقبل أن نفهم مدلول : العبادة لله وحده ؛ ونحدده بأنه الدينونة لله وحده ؛ لا في لحظات الصلاة ، ولكن في كل شأن من شؤون الحياة !
إن عبادة الأصنام التي دعا إبراهيم - عليه السلام - ربه أن يجنبه هو وبنيه إياها ، لا تتمثل فقط في تلك الصورة الساذجة التي كان يزاولها العرب في جاهليتهم ، أو التي كانت تزاولها شتى الوثنيات في صور شتى ، مجسمة في أحجار أو أشجار ، أو حيوان أو طير ، أو نجم أو نار ، أو أرواح أو أشباح .
إن هذه الصور الساذجة كلها لا تستغرق كل صور الشرك بالله ، ولا تستغرق كل صور العبادة للأصنام من دون الله . والوقوف بمدلول الشرك عند هذه الصور الساذجة يمنعنا من رؤية صور الشرك الأخرى التي لا نهاية لها ؛ ويمنعنا من الرؤية الصحيحة لحقيقة ما يعتور البشرية من صور الشرك والجاهلية الجديدة !
ولا بد من التعمق في إدراك طبيعة الشرك وعلاقة الأصنام بها ؛ كما أنه لا بد من التعمق في معنى الأصنام ، وتمثل صورها المتجددة مع الجاهليات المستحدثة !
إن الشرك بالله - المخالف لشهادة أن لا إله إلا الله - يتمثل في كل وضع وفي كل حالة لا تكون فيها الدينونة في كل شأن من شؤون الحياة خالصة لله وحده . ويكفي أن يدين العبد لله في جوانب من حياته ، بينما هو يدين في جوانب أخرى لغير الله ، حتى تتحقق صورة الشرك وحقيقته . . وتقديم الشعائر ليس إلا صورة واحدة من صور الدينونة الكثيرة . . والأمثلة الحاضرة في حياة البشر اليوم تعطينا المثال الواقعي للشرك في أعماق طبيعته . . إن العبد الذي يتوجه لله بالاعتقاد في ألوهيته وحده ؛ ثم يدين لله في الوضوء والطهارة والصلاة والصوم والحج وسائر الشعائر . بينما هو في الوقت ذاته يدين في حياته الاقتصادية و السياسية والاجتماعيةلشرائع من عند غير الله . ويدين في قيمه وموازينه الاجتماعية لتصورات واصطلاحات من صنع غير الله . ويدين في أخلاقه وتقاليده وعاداته وأزيائه لأرباب من البشر تفرض عليه هذه الأخلاق والتقاليد والعادات والأزياء - مخالفة لشرع الله وأمره - إن هذا العبد يزاول الشرك في أخص حقيقته ؛ ويخالف عن شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله في أخص حقيقتها . . وهذا ما يغفل عنه الناس اليوم فيزاولونه في ترخص وتميع ، وهم لايحسبونه الشرك الذي كان يزاوله المشركون في كل زمان ومكان !
والأصنام . . ليس من الضروري أن تتمثل في تلك الصور الأولية الساذجة . . فالأصنام ليست سوى شعارات للطاغوت ، يتخفى وراءها لتعبيد الناس باسمها ، وضمان دينونتهم له من خلالها . .
إن الصنم لم يكن ينطق أو يسمع أو يبصر . . إنما كان السادن أو الكاهن أو الحاكم يقوم من ورائها ؛ يتمتم حولها بالتعاويذ والرقي . . ثم ينطق باسمها بما يريد هو أن ينطق لتعبيد الجماهير وتذليلها !
فإذا رفعت في أي أرض وفي أي وقت شعارات ينطق باسمها الحكام والكهان ، ويقررون باسمها ما لم يأذن به الله من الشرائع والقوانين والقيم والموازين والتصرفات والأعمال . . . فهذه هي الأصنام في طبيعتها وحقيقتها ووظيفتها !
إذا رفعت " القومية " شعارا ، أو رفع " الوطن " شعارا ، أو رفع " الشعب " شعارا ، أو رفعت " الطبقة " شعارا . . . ثم أريد الناس على عبادة هذه الشعارات من دون الله ؛ وعلى التضحية لها بالنفوس والأموال والأخلاق والأعراض . بحيث كلما تعارضت شريعة الله وقوانينه وتوجيهاته وتعليماته مع مطالب تلك الشعارات ومقتضياتها ، نحيت شريعة الله وقوانينه وتوجيهاته وتعاليمه ، ونفذت إرادة تلك الشعارات - أو بالتعبير الصحيح الدقيق : إرادة الطواغيت الواقفة وراء هذه الشعارات - كانت هذه هي عبادة الأصنام من دون الله . . فالصنم ليس من الضروري أن يتمثل في حجر أو خشبة ؛ ولقد يكون الصنم مذهبا أو شعارا !
إن الإسلام لم يجيء لمجرد تحطيم الأصنام الحجرية والخشبية ! ولم تبذل فيه تلك الجهود الموصولة ، من موكب الرسل الموصول ؛ ولم تقدم من أجله تلك التضحيات الجسام وتلك العذابات والآلام ، لمجرد تحطيم الأصنام من الأحجار والأخشاب !
إنما جاء الإسلام ليقيم مفرق الطريق بين الدينونة لله وحده في كل أمر وفي كل شأن ؛ وبين الدينونة لغيره في كل هيئة وفي كل صورة . . ولا بد من تتبع الهيئات والصور في كل وضع وفي كل وقت لإدراك طبيعة الأنظمة والمناهج القائمة ، وتقرير ما إذا كانت توحيدا أم شركا ؟ دينونة لله وحده أم دينونة لشتى الطواغيت والأرباب والأصنام !
والذين يظنون أنفسهم في " دين الله " لأنهم يقولون بأفواههم " نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله " ، ويدينون لله فعلا في شؤون الطهارة والشعائر والزواج والطلاق والميراث . . بينما هم يدينون فيما وراء هذا الركن الضيق لغير الله ؛ ويخضعون لشرائع لم يأذن بها الله - وكثرتها مما يخالف مخالفة صريحة شريعة الله - ثم هم يبذلون أرواحهم وأموالهم وأعراضهم وأخلاقهم - أرادوا أم لم يريدوا - ليحققوا ما تتطلبه منهم الأصنام الجديدة . فإذا تعارض دين أو خلق أو عرض مع مطالب هذه الأصنام ، نبذت أوامر الله فيها ونفذت مطالب هذه الأصنام . . .
الذين يظنون أنفسهم " مسلمين " وفي " دين الله " وهذا حالهم . . عليهم أن يستفيقوا لما هم فيه من الشرك العظيم ! ! !
إن دين الله ليس بهذا الهزال الذي يتصوره من يزعمون أنفسهم " مسلمين " في مشارق الأرض ومغاربها ! إن دين الله منهج شامل لجزئيات الحياة اليومية وتفصيلاتها . والدينونة لله وحده في كل تفصيل وكل جزئية من جزئيات الحياة اليومية وتفصيلاتها - فضلا على أصولها وكلياتها - هي دين الله ، وهي الإسلام الذي لا يقبل الله من أحد دينا سواه .
وإن الشرك بالله لا يتمثل فحسب في الاعتقاد بألوهية غيره معه ؛ ولكنه يتمثل ابتداء في تحكيم أرباب غيره معه . .
وإن عبادة الأصنام لا تتمثل في إقامة أحجار وأخشاب ؛ بقدر ما تتمثل في إقامة شعارات لها كل ما لتلك الأصنام من نفوذ ومقتضيات !
ولينظر الناس في كل بلد لمن المقام الأعلى في حياتهم ؟ ولمن الدينونة الكاملة ؟ ولمن الطاعة والاتباع والامتثال ؟ . . فإن كان هذا كله لله فهم في دين الله . وإن كان لغير الله - معه أو من دونه - فهم في دين الطواغيت والأصنام . . والعياذ بالله . . !
( هذا بلاغ للناس ، ولينذروا به . وليعلموا أنما هو إله واحد ، وليذكر أولو الألباب . . )
القول في تأويل قوله تعالى : { هََذَا بَلاَغٌ لّلنّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِهِ وَلِيَعْلَمُوَاْ أَنّمَا هُوَ إِلََهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذّكّرَ أُوْلُواْ الألْبَابِ } .
يقول تعالى ذكره : هذا القرآن بلاغ للناس ، أبلغ الله به إليهم في الحجة عليهم ، وأعذر إليهم بما أنزل فيه من مواعظه وعبره . وَلِيُنْذَرُوا بِهِ يقول : ولينذروا عقاب الله ، ويحذروا به نقماته ، أنزله إلى نبيه صلى الله عليه وسلم . وَلِيَعْلَمُوا أنّمَا هُوَ إلهٌ وَاحِدٌ يقول : وليعلموا بما احتجّ به عليهم من الحجج فيه أنما هو إله واحد ، لا آلهة شتى ، كما يقوله المشركون بالله ، وأن لا إله إلاّ هو الذي له ما في السموات وما في الأرض ، الذي سخر لهم الشمس والقمر والليل والنهار وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لهم ، وسخر لهم الفُلك لتجري في البحر بأمره وسخر لهم الأنهار . وَلِيَذّكّرَ أُولُوا الألْبابِ يقول : وليتذكر فيتعظ بما احتجّ الله به عليه من حججه التي في هذا القرآن ، فينزجر عن أن يجعل معه إلها غيره ، ويُشْرِك في عبادته شيئا سواه أهلُ الحجى والعقول ، فإنهم أهل الاعتبار والادّكار ، دون الذين لا عقول لهم ولا أفهام ، فإنهم كالأنعام بل هم أضلّ سبيلاً .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : هَذَا بَلاغٌ للنّاسِ قال : القرآن . وَلِيُنْذَرُوا بِهِ : قال : بالقرآن . وَلِيَعْلَمُوا أنّمَا هُوَ إلهٌ واحدٌ وَلِيَذَكّرَ أُولُوا الألْبابِ .
وقوله : { هذا بلاغ للناس } الآية ، إشارة إلى القرآن والوعيد الذي يتضمنه ووصفه بالمصدر في قوله : { بلاغ } والمعنى : هذا بلاغ للناس وهو لينذروا به{[7119]} .
وقرأ جمهور الناس «ولينذَروا » بالياء وفتح الذال على بناء الفعل للمفعول . وقرأ يحيى بن عمارة وأحمد بن يزيد بن أسيد : «ليَنذَروا به » بفتح الياء والذال كقول العرب : نذرت بالشيء إذا أشعرت وتحرزت منه وأعددت له{[7120]} وروي أن قوله : { وليذكر أولو الألباب } نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه{[7121]} .
الإشارة إلى الكلام السابق في السورة كلها من أيْنَ ابتدأتهُ أصبت مراد الإشارة ، والأحسن أن يكون للسورة كلها .
والبلاغ اسم مصدر التبليغ ، أي هذا المقدار من القرآن في هذه السورة تبليغ للناس كلهم .
واللام في { للناس } هي المعروفة بلام التبليغ ، وهي التي تدخل على اسم من يَسمع قولاً أو ما في معناه .
وعطف { ولينذروا } على { بلاغ } عطف على كلام مقدر يدل عليه لفظ { بلاغ } ، إذ ليس في الجملة التي قبله ما يصلح لأن يعطف هذا عليه فإن وجود لام الجر مع وجود واو العطف مانع من جعله عطفاً على الخبر ، لأن المجرور إذا وقع خبر عن المبتدإ اتصل به مباشرة دون عطف إذ هو بتقدير كائِن أو مستَقر ، وإنما تعطف الأخبار إذا كانت أوصافاً . والتقدير هذا بلاغ للناس ليستيقظوا من غفلتهم ولينذروا به .
واللام في { ولينذروا } لام كي . وقد تقدم قريب من نظم هذه الآية في قوله تعالى { وهذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه ولتنذر أم القرى ومن حولها } في سورة الأنعام ( 92 ) .
والمعنى وليعلموا مِما ذكر فيه من الأدلة مَا الله إلا إلهٌ واحد ، أي مقصور على الإلهية الموحدة . وهذا قصر موصوف على صفة وهو إضافي ، أي أنه تعالى لا يتجاوز تلك الصفة إلى صفة التعدد بالكثرة أو التثليث ، كقوله : { إنما الله إله واحد سبحانه أن يكون له ولد } [ سورة النساء : 171 ] .
والتذكر : النظر في أدلة صدق الرسول عليه الصلاة والسلام ووجوب اتباعه ، ولذلك خص بذوي الألباب تنزيلاً لغيرهم منزلة من لا عقول لهم { إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا } [ سورة الفرقان : 44 ] .
وقد رتبت صفات الآيات المشار إليها باسم الإشارة على ترتيب عقلي بحسب حصول بعضها عقب بعض ، فابتدىء بالصفة العامة وهي حصول التبليغ . ثم ما يعقب حصول التبليغ من الإنذار ثم ما ينشأ عنه من العلم بالوحدانية لما في خلال هذه السورة من الدلائل . ثم بالتذكير في ما جاء به ذلك البلاغ وهو تفاصيل العلم والعمل . وهذه المراتب هي جامع حكمة مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم موزعة على من بَلّغ إليهم . ويختص المسلمون بمضمون قوله : { وليذكروا أولوا الألباب } .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{هذا بلاغ للناس}... {ولينذروا به}، يعني لينذروا بما في القرآن، {وليعلموا أنما هو إله واحد} لا شريك له، {وليذكر} فيما يسمع من مواعظ القرآن، {أولوا الألباب}، يعني أهل اللب والعقل.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: هذا القرآن بلاغ للناس، أبلغ الله به إليهم في الحجة عليهم، وأعذر إليهم بما أنزل فيه من مواعظه وعبره.
"وَلِيُنْذَرُوا بِهِ" يقول: ولينذروا عقاب الله، ويحذروا به نقماته، أنزله إلى نبيه صلى الله عليه وسلم.
"وَلِيَعْلَمُوا أنّمَا هُوَ إلهٌ وَاحِدٌ" يقول: وليعلموا بما احتجّ به عليهم من الحجج فيه أنما هو إله واحد، لا آلهة شتى، كما يقوله المشركون بالله، وأن لا إله إلاّ هو الذي له ما في السموات وما في الأرض، الذي سخر لهم الشمس والقمر والليل والنهار وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لهم، وسخر لهم الفُلك لتجري في البحر بأمره وسخر لهم الأنهار.
"وَلِيَذّكّرَ أُولُوا الألْبابِ" يقول: وليتذكر فيتعظ بما احتجّ الله به عليه من حججه التي في هذا القرآن، فينزجر عن أن يجعل معه إلها غيره، ويُشْرِك في عبادته شيئا سواه أهلُ الحجى والعقول، فإنهم أهل الاعتبار والادّكار، دون الذين لا عقول لهم ولا أفهام، فإنهم كالأنعام بل هم أضلّ سبيلاً.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{هذا بلاغ للناس ولينذروا به} يحتمل قوله: {هذا بلاغ} هذا بلاغ القرآن، وهو بلاغ للناس على ما ذكر في صدر السورة: {الر كتاب أنزلناه إليك} الآية (الآية: 1) هو بلاغ على ما ذكر، والله أعلم،
{ولينذروا به} أي بالقرآن أيضا على ما ذكر {وهذا كتاب أنزلناه مباركا مصدق الذي بين يديه ولتنذر أم القرى ومن حولها} (الأنعام: 92).
ويحتمل قوله: {هذا بلاغ للناس} ما ذكر من المواعيد، وهو قوله: {وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الأصفاد} (إبراهيم: 49) إلى آخر ما ذكر؛ أي هذا الذي ذكر في البلاغ، يبلغهم، لا محالة {ولينذر به} بما ذكر {وليعلموا أنما هو إله واحد} لا شريك له بالآيات التي أقامها على وحدانيته وألوهيته، {وليذكر أولو الألباب} أي ذوي العقول. والله أعلم.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
"هذا بلاغ": هو إشارة إلى القرآن.. لأن فيه البيان عن الإنذار والتخويف، وفيه البيان عما يوجب الإخلاص بما ذكر من الإنعام الذي لا يقدر عليه الا الله...
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
الحجج ظاهرة، والأمارات لائحة، والدواعي واضحة، والمهلة متسعة، والرسول عليه السلام مُبَلِّغ، والتمكين من القيام بحق التكليف مساعد. ولكنَّ القسمةَ سابقةٌ، والتوفيقَ عن القيام ممنوعٌ، والربُّ -سبحانه- فعَّالٌ لما يريد، فَمَنْ اعتبر نجا، ومن غفل تردَّى. ولله الأمر من قبل ومن بعد، والله أعلم...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{هذا بلاغ لّلنَّاسِ} كفاية في التذكير والموعظة، يعني بهذا ما وصفه من قوله {وَلاَ تَحْسَبَنَّ} إلى قوله: {سَرِيعُ الحساب} [آل عمران: 169]. {وَلِيُنذَرُواْ} معطوف على محذوف، أي لينصحوا ولينذروا {بِهِ} بهذا البلاغ... {وَلِيَعْلَمُواْ أَنَّمَا هُوَ إله وَاحِدٌ} لأنهم إذا خافوا ما أنذروا به، دعتهم المخافة إلى النظر حتى يتوصلوا إلى التوحيد، لأنّ الخشية أمّ الخير كله...
... هذه الآيات مشعرة بأن التذكير بهذه المواعظ والنصائح يوجب الوقوف على التوحيد والإقبال على العمل الصالح، والوجه فيه أن المرء إذا سمع هذه التخويفات والتحذيرات عظم خوفه واشتغل بالنظر والتأمل، فوصل إلى معرفة التوحيد والنبوة واشتغل بالأعمال الصالحة...
[كما أن] هذه الآية دالة على أنه لا فضيلة للإنسان ولا منقبة له إلا بسبب عقله، لأنه تعالى بين أنه إنما أنزل هذه الكتب، وإنما بعث الرسل لتذكير أولى الألباب، فلولا الشرف العظيم والمرتبة العالية لأولي الألباب لما كان الأمر كذلك...
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 671 هـ :
هذه اللامات في "ولينذروا ""وليعلموا" "وليذكر" متعلقة بمحذوف، التقدير: ولذلك أنزلناه...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما اشتملت هذه السورة على ما قرع سمعك من هذه المواعظ والأمثال والحكم التي أبكمت البلغاء، وأخرست الفصحاء، وبهرت العقول، ترجمها سبحانه بما يصلح عنواناً لجميع القرآن فقال: {هذا} أي الكتاب الذي يخرج الناس من الظلمات إلى النور {بلاغ} أي كافٍ غاية الكفاية في الإيصال {للناس} ليصلوا به إلى الله بما يتحلون به من المزايا في سلوك صراطه القويم، فإن مادة "بلغ "بأي ترتيب كان -تدور على الوصول، وتارة تلزمها القوة وتارة الإعياء الناشئ عن الضعف... ولما كان متعلق البلاغ الذي قدرته بالوصول يتضمن البشارة، عطف عليه النذارة بانياً للمفعول، لأن النافع مطلق النذارة، وكل أحد متأهل لأن يكون واعظاً به مقبولاً، لأن من سمعه فكأنما سمعه من الله لتميزه بإعجازه عن كل كلام، فقال: {ولينذروا} أي من أي منذر كان فيقوم عليهم الحجة {به} فيحذروا عقاب الله فيتخلوا عن الدنايا. ولما أشار إلى جميع الفروع فعلاً وتركاً، مع إشارته إلى أصل التوحيد لأنه أول الوصول، صرح به على حدته لجلالته في قوله: {وليعلموا أنما هو} أي الإله {إله واحد} فيكون همهم واحداً. ولما تمت الإشارة إلى الدين أصلاً وفرعاً، نبه على المواعظ والأمثال بتذكر ما له من الآيات والمصنوعات، والبطش بمن خالفه من الأمم، وأشار إلى أن أدلة الوحدانية والحشر لا تحتاج إلى كبير تذكر، لأنها في غاية الوضوح ولا سيما بعد تنبيه الرسل، فأدغم تاء التفعل، فقال: {وليذكر} أي منهم {أولوا الألباب} أي الصافية، والعقول الوافية، فيفتحوا عيون بصائرهم فيعلموا أنه لا وصول لهم مع الغفلة فيلزموا المراقبة فلا يزالوا في رياض المقاربة. ويعلموا- بما ركز في طبائعهم وجرى من عوائدهم -أن أقل حكامهم لا يرضى بأن يدع رعيته يتهارجون لا ينصف بينهم ولا يجزى أحداً منهم بما كسب، فيكون ذلك منه انسلاخاً من رتبة الحكم التي هي خاصته، فكيف يدعون ذلك في أحكم الحاكمين، فقد تكفلت هذه الآية على وجازتها بجميع علم الشريعة أصولاً وفروعاً، وعلم الحقيقة نهايات وشروعاً، على سبيل الإجمال وقد انطبق آخر السورة على أولها، لأن هذا عين الخروج من الظلمات إلى النور بهذا الكتاب الحامل على كل صواب- والله سبحانه وتعالى الموفق للصواب وحسن المآب...
إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود 982 هـ :
{وَلِيَعْلَمُواْ} بالتأمل فيما فيه من الدلائل الواضحةِ هي إهلاكُ الأمم وإسكانُ آخرين في مساكنهم، وغيرُهما مما سبق ولحِق... قوله تعالى: {وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُواْ الألباب} أي ليتذكروا ما كانوا يعملونه من قبلُ من التوحيد وغيرِه من شؤون الله عز وجل ومعاملتِه مع عباده فيرتدعوا عما يُرديهم من الصفات التي يتصف بها الكفارُ ويتدرعوا بما يُحظيهم من العقائد الحقةِ والأعمال الصالحةِ، وفي تخصيص التذكرِ بأولي الألباب تلويحٌ باختصاص العلمِ بالكفار ودَلالةٌ على أن المشارَ إليه بهذا ما ذكرنا من القوارع المَسوقةِ لشأنهم لا كلُّ السورةِ المشتملةِ عليها على ما سيق للمؤمنين أيضاً، فإن فيه ما يفيدهم فائدةً جديدةً، وحيث كان ما يفيده البلاغُ من التوحيد وما يترتب عليه من الأحكام بالنسبة إلى الكفرة أمراً حادثاً وبالنسبة إلى أولي الألباب الثباتَ على ذلك حسبما أُشير إليه عن الأول بالعلم وعن الثاني بالتذكر، ورُوعيَ ترتيبُ الوجودِ مع ما فيه من الختم بالحسنى والله سبحانه أعلم...
تيسير التفسير لاطفيش 1332 هـ :
كأَنه هذا مبلغ لهم إلى الخير إن عملوا به، فيكون بمعنى الوصف... {وَلِيَعْلَمُوا} بالتدبر فيه وفى سائِر الدلائِل...
تفسير القرآن للمراغي 1371 هـ :
جملة القول إنه سبحانه جعل لهذا البلاغ فوائد في الحكمة من إنزال الكتب والرسل: (1) إن الرسل يخوّفون الناس عقاب الله وينذرونهم بأسه، ليكمّلوهم بمعرفة ربهم وتقواه والعمل على طاعته.
(2) إن الناس ترتقي قوتهم النظرية إلى منتهى كمالها، بتوحيد الخلق والاعتراف بأنه مدبر الكون والمسيطر عليه.
(3) إنهم يستصلحون قوتهم العملية بتدرعهم بلباس التقوى...
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
أي: يتبلغون به ويتزودون إلى الوصول إلى أعلى المقامات وأفضل الكرامات، لما اشتمل عليه من الأصول والفروع، وجميع العلوم التي يحتاجها العباد. {وَلِيُنْذَرُوا بِهِ} لما فيه من الترهيب من أعمال الشر وما أعد الله لأهلها من العقاب، {وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ} حيث صرف فيه من الأدلة والبراهين على ألوهيته ووحدانيته، ما صار ذلك حق اليقين.
{وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} أي: العقول الكاملة ما ينفعهم فيفعلونه، وما يضرهم فيتركونه، وبذلك صاروا أولي الألباب والبصائر. إذ بالقرآن ازدادت معارفهم وآراؤهم، وتنورت أفكارهم لما أخذوه غضًّا طريًّا فإنه لا يدعو إلا إلى أعلى الأخلاق والأعمال وأفضلها، ولا يستدل على ذلك إلا بأقوى الأدلة وأبينها. وهذه القاعدة إذا تدرب بها العبد الذكي لم يزل في صعود ورقي على الدوام في كل خصلة حميدة...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
إن الغاية الأساسية من ذلك البلاغ وهذا الإنذار، هي أن يعلم الناس (أنما هو إله واحد) فهذه هي قاعدة دين الله التي يقوم عليها منهجه في الحياة. وليس المقصود بطبيعة الحال مجرد العلم، إنما المقصود هو إقامة حياتهم على قاعدة هذا العلم.. المقصود هو الدينونة لله وحده، ما دام أنه لا إله غيره. فالإله هو الذي يستحق أن يكون ربا -أي حاكما وسيدا ومتصرفا ومشرعا وموجها- وقيام الحياة البشرية على هذه القاعدة يجعلها تختلف اختلافا جوهريا عن كل حياة تقوم على قاعدة ربوبية العباد للعباد -أي حاكمية العباد للعباد ودينونة العباد للعباد- وهو اختلاف يتناول الاعتقاد والتصور، ويتناول الشعائر والمناسك؛ كما يتناول الأخلاق والسلوك، والقيم والموازين؛ وكما يتناول الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وكل جانب من جوانب الحياة الفردية والجماعية على السواء...
إن الإسلام لم يجيء لمجرد تحطيم الأصنام الحجرية والخشبية! ولم تبذل فيه تلك الجهود الموصولة، من موكب الرسل الموصول؛ ولم تقدم من أجله تلك التضحيات الجسام وتلك العذابات والآلام، لمجرد تحطيم الأصنام من الأحجار والأخشاب! إنما جاء الإسلام ليقيم مفرق الطريق بين الدينونة لله وحده في كل أمر وفي كل شأن؛ وبين الدينونة لغيره في كل هيئة وفي كل صورة.. ولا بد من تتبع الهيئات والصور في كل وضع وفي كل وقت لإدراك طبيعة الأنظمة والمناهج القائمة، وتقرير ما إذا كانت توحيدا أم شركا؟ دينونة لله وحده أم دينونة لشتى الطواغيت والأرباب والأصنام!...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
الإشارة إلى الكلام السابق في السورة كلها من أيْنَ ابتدأتهُ أصبت مراد الإشارة، والأحسن أن يكون للسورة كلها. والبلاغ اسم مصدر التبليغ، أي هذا المقدار من القرآن في هذه السورة تبليغ للناس كلهم...
والتقدير هذا بلاغ للناس ليستيقظوا من غفلتهم ولينذروا به...
والمعنى وليعلموا مِما ذكر فيه من الأدلة مَا الله إلا إلهٌ واحد، أي مقصور على الإلهية الموحدة. وهذا قصر موصوف على صفة وهو إضافي، أي أنه تعالى لا يتجاوز تلك الصفة إلى صفة التعدد بالكثرة أو التثليث... والتذكر: النظر في أدلة صدق الرسول عليه الصلاة والسلام ووجوب اتباعه، ولذلك خص بذوي الألباب تنزيلاً لغيرهم منزلة من لا عقول لهم... وقد رتبت صفات الآيات المشار إليها باسم الإشارة على ترتيب عقلي بحسب حصول بعضها عقب بعض، فابتدىء بالصفة العامة وهي حصول التبليغ. ثم ما يعقب حصول التبليغ من الإنذار ثم ما ينشأ عنه من العلم بالوحدانية لما في خلال هذه السورة من الدلائل. ثم بالتذكير في ما جاء به ذلك البلاغ وهو تفاصيل العلم والعمل. وهذه المراتب هي جامع حكمة مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم موزعة على من بَلّغ إليهم. ويختص المسلمون بمضمون قوله: {وليذكروا أولوا الألباب}...
زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :
{هذا بلاغ للناس} تبليغ من الله تعالى لكي يكون حسابهم على بينة من أمورهم، كما قال تعالى: {...وإن من أمة إلا خلا فيها نذير (24)} [فاطر]...
التيسير في أحاديث التفسير للمكي الناصري 1415 هـ :
كما بدئت سورة إبراهيم المكية بالحديث عن كتاب الله والتنويه بمزاياه {ألر، كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد} ختمت السورة بنفس الحديث عن كتاب الله، وما يتضمنه من دعوة الناس إلى توحيد الله، وتذكيرهم بالله، فقال تعالى: {هذا بلاغ للناس ولينذروا به وليعلموا أنما هو إله واحد وليذكر أولوا الألباب}...
هذه الآية هي مِسك الختام، ذلك أنها ركّزت الدعوة؛ بلاغا صدر عن الله ليبلغه لرسوله الذي أُيِّد بالمعجزة؛ ليحمل منهج الحياة للإنسان الخليفة في الأرض. وإذا ما صدرت قوانين حركة الحياة للإنسان الخليفة في الأرض المخلوق لله، وجب ألا يتزيّد عليها أحد بإكمال ولا بإتمام، لأن الذي خلق هو الذي شرّع، وهذه المسألة يجب أن تكون على ذِكر من بال كل إنسان مُكلّف...
{هذا بلاغ للناس}... فمهمة الرسول –إذن- هي البلاغ عن الله لمنهج الحياة الذي يصون حركة الحياة...
وقول الحق سبحانه: {هذا بلاغ للناس} يتضمن البشارة أيضا، ولكنه يركز ويؤكد من بعد ذلك في قوله: {وليُنذرَوا به} لأن الخيبة ستقع على مرتكب الذنوب. وأقول: إن الإنذار هنا هو نعمة؛ لأنه يُذكّر الإنسان فلا يُقدم على ارتكاب الذنب أو المعصية، فساعة تُقدم للإنسان مغبة العمل السيئ، فكأنك تُقدم إليه نعمة، وتُسدي إليه جميلا ومعروفا...
وحين يقول الحق سبحانه: {هذا بلاغ للناس} فهو يحدد لنا قِوام الدين بعد تلقّيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُبلّغه من سمعه لمن لم يسمعه.ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (نضّر الله امْرءاً سمع مقالتي فوعاها، وأداها إلى من لم يسمعها)...
وهكذا يتحمل المسلم مسئولية الإبلاغ بما يعرف من أحكام الدين لمن لا عِلم لهم بها؛ لتظل الرسالة موصولة، وكلنا نعلم أن الحق سبحانه قد قال: {كنتم خير أمّة أُخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر} (آل عمران110).أي: أنكم يا أمّة محمد، قد أخذتم مهمة الأنبياء...
{وليعلموا أنما هو إله واحد}...
وتلك هي القضية الأساسية التي يعيها أولو الألباب الذين يستقبلون هذا البلاغ...
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
إن القرآن هو البلاغ الصادر من الله إلى الناس، والذي يريد منهم أن يستمعوا إليه، أو يقرأوه، ليتمثلوه في وعيهم ووجدانهم، ليثير فيهم الخوف من نتائج المسؤولية، وليحرّك فيهم الاهتمام بالقضايا التي أراد الله لهم أن يواجهوها في حياتهم، في إطار الالتزام بأمره ونهيه، وليحطّم في داخلهم حالة الاسترخاء، والكسل الفكري والروحي، والضياع العملي، وذلك من أجل أن يتحوّل الإنسان إلى طاقةٍ حيّةٍ فاعلةٍ مسؤولةٍ، تفكر بالعقل، وتدعو إلى اعتباره أساساً لاكتشاف الإيمان، ولتحويل الإنسان من إنسان يقلّد إلى إنسان يبدع ويلتزم بالخط المستقيم المنطلق من رحاب الله، المتصل بمسيرة الرسل وآفاق الرسالات...
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
كما رأينا فإنّ سورة إبراهيم ابتدأت في بيان دور القرآن الكريم في إخراج الناس من الظّلمات إلى نور العلم والتوحيد، وانتهت في بيان دور القرآن في إنذار الناس وتعليمهم التوحيد. إنّ هذه البداية والنهاية تبيّن هذه الحقيقة، وهو أنّ كلّ ما نحتاجه موجود في هذا القرآن... إنّ مثل هذا الكتاب يجب أن يأخذ موقعه في قلوب المسلمين، ويشكّل قانوناً ونظاماً أساسياً في حياتهم، ويجب عليهم أن يطالعوه ويبحثوا مضامينه بدقّة في تطبيقاتهم العمليّة. إنّ هجران القرآن الكريم واتخاذ المبادئ المنحرفة الشرقيّة منها والغربية، أحد العوامل المهمّة في تأخّر المسلمين. وما أروع ما قاله الإمام علي (عليه السلام) «واعلموا أنّه ليس على أحد بعد القرآن من فاقة، ولا لأحد قبل القرآن من غنى». وما أشدّ مصيبتنا في غربتنا عن القرآن، ومعرفة الغرباء به! ومن المؤلم أن تكون وسيلة السعادة في دارنا ونحن نبحث عنها في دور الناس! وما أعظم المصاب حين نكون إلى جانب نبع ماء الحياة عطاشى، ظمأى، ونهرول في الصحاري حفاة وراء السراب...
الفائدة الأُخرى التي علّمتنا إيّاها الآية أعلاه، هي التأكيد على التوحيد بعنوان الحديث الأخير، وعلى اُولي الألباب بعنوان التذكّر الأخير. نعم، فالتوحيد أعمق أصل إسلامي حيث تنتهي إليه جميع خطوط التربية والتعليم في الإسلام، ويجب أن نبتدئ به وننتهي إليه لأنّه العمود الفقري للإسلام. وليس توحيد الله في العبادة فقط، بل التوحيد في الهدف، والتوحيد في صفوف القتال، والتوحيد في البرامج العملية والتنفيذيّة، فكلّها توضّح الأركان الأصليّة للدين، وسبب وجود المشاكل الكثيرة في مجتمعاتنا الإسلامية هو حذف التوحيد من واقعنا العملي...
تفسير القرآن للمراغي 1371 هـ :
(1) هداية الناس إلى معرفة ربهم الخالق للسماوات والأرض.
(2) ذم الكافرين الذين يستحبون الدنيا ويصدّون عن الدين القويم.
(3) بيان أن الرسل إنما يرسلون بلغات أقوامهم، ليسهل عليهم فهم الأوامر والنواهي.
(4) التذكير بأيام الله ببيان ما حدث للرسل مع أقوامهم، ليكون في ذلك تسلية لرسوله، وما هدد به الأمم رسلهم من الإخراج والنفي من الديار.
(5) وعيد الكافرين على كفرهم وذكر ما يلقونه من العذاب، وضرب الأمثلة لذلك.
(6) وعد المؤمنين بجنات تجري من تحتها الأنهار، وضرب المثل لذلك.
(7) دعوة إبراهيم ربه أن يجنبه وبنيه عبادة الأصنام التي أضلت كثيرا من الناس، ثم شكره على ما وهبه من الأولاد على كبر سنه، ثم طلبه المغفرة منه له ولوالديه وللمؤمنين يوم العرض والحساب.
(8) بيان أن تأخير العذاب عن المجرمين ليوم معلوم إنما كان لحكمة اقتضت ذلك، وحينئذ يرون من الذلة والصغار وسوء العذاب ما يجل عنه الوصف.