الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{هَٰذَا بَلَٰغٞ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِهِۦ وَلِيَعۡلَمُوٓاْ أَنَّمَا هُوَ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ} (52)

وقوله تعالى : { هَذَا } إشارةٌ إلى ما تقدَّم مِن قوله : { فَلاَ تَحْسَبَنَّ }

[ إبراهيم : 47 ] إلى هنا ، أو إلى كلِّ القرآن نُزِّل مَنْزِلةَ الحاضر .

قوله : " وَلِيُنْذَروا " فيه أوجهٌ ، أحدُها : أنه متعلقٌ بمحذوفٍ ، أي : وليُنْذِرُوا به أَنْزَلْنا عليك .

الثاني : أنه معطوفٌ على محذوفٍ ، ذلك المحذوفُ متعلقٌ ب " بلاغ " ، تقديره : ليُنْصَحوا ولِيُنْذَروا . الثالث : أن الواوَ مزيدةٌ و " لِيُنْذَروا " متعلقٌ ب " بلاغ " ، وهو رأيُ الأخفش ، نقله الماوردي . الرابع : أنه محمولٌ على المعنى ، أي : ليُبَلَّغُوا ولِيُنْذَرُوا . الخامس : أن اللامَ لامُ الأمر . قال بعضُهم : وهو حسنٌ لولا قولُه " ولِيَذَّكَّر " فإنه منصوبٌ فقط . قلت : لا محذورَ في ذلك فإنَّ قولَه " ولِيَذَّكَّرَ " ليس معطوفاً على ما تقدَّمه ، بل متعلِّقٌ بفعلٍ مقدر ، أي : ولِيَذَّكَّر أَنْزَلْناه وأَوْحيناه . السادس : أنه خبرُ مبتدأ مضمرٍ . التقدير : هذا بلاغٌ وهو ليذَّكَّر ، قاله ابن عطية . السابع : أنه عطفُ مفردٍ على مفردٍ ، أي : هذا بلاغٌ وإنذار ، قاله المبرد ، وهو تفسيرُ معنى لا إعرابٍ .

الثامن : أنه معطوفٌ على قوله { لِتُخْرِجَ النَّاسَ } [ إبراهيم : 1 ] في أولِ السورة . وهذا غريبٌ جداً . التاسع : قاله أبو البقاء : " المعنى : هذا بلاغٌ للناسِ وللإِنذار ، فتعلَّق بالبلاغ أو بمحذوف إذا جَعَلْتَ " الناس " صفةً ، ويجوز أن يتعلَّقَ بمحذوفٍ تقديره : ولِيُنْذَروا به أُنْزِل وتُلِي " . قلت : فيؤدي التقدير إلى أَنْ يَبْقى التركيبُ : هذا بلاغٌ للإِنذار ، والإِنذارُ لا يتأتَّى فيه ذلك .

وقرأ العامَّة : " لِيُنْذَرُوا " مبنياً للمفعول ، وقرأ مجاهد وحميد بن قيس : " ولِتُنْذِرُوا " بتاءٍ مضمومة وكسرِ الذال ، كأنَّ البلاغَ للعموم والإِنذار للمخاطبين .

وقرأ يحيى بن عُمارة الذارع عن أبيه ، وأحمد بن يزيد بن أسيد السلمي . " ولِيُنْذَرُوا " بفتح الياء والذال مِنْ نَذَر بالشيء ، أي : عَلِم به فاستعدَّ له ، قالوا : ولم يُعرف له مصدرٌ فهو كَعَسَى وغيرِها من الأفعالِ التي لا مصادرَ لها .