قوله تعالى : { هذا بَلاَغٌ } إشارة إلى ما تقدَّم من قوله : " ولا تحْسَبنَّ " إلى هنا ، أو إلى كلِّ القرآن ، نزل منزلة الحاضر بلاغ ، أي : كافية في الموعظة .
قوله تعالى : { وَلِيُنذَرُواْ بِهِ } فيه أوجه :
أحدها : أنه متعلقٌ بمحذوف ، أي : ولينذروا أنزلنا عليك .
الثاني : [ أنه معطوف على محذوف ، وذلك المحذوف متعلق ب " بلاغ " ، تقديره : لينصحوا ولينذروا ]{[19413]} .
الثالث : أن الواو مزيدة : " ولِيُنْذَرُوا " متعلق ب " بَلاغٌ " ، وهو رأي الأخفش نقله الماورديُّ .
الرابع : أنه محمولٌ على المعنى ، أي : ليبلغوا ، ولينذروا .
الخامس : أن اللام لام الأمر ، وهو حسنٌ ، لولا قوله : " ولِيَذّكَّرَ " فإن منصوب فقط .
قال شهاب الدين{[19414]} : قال بعضهم : لا محذور في ذلك ، فإن قوله : " لِيَذَّكرَ " ليس معطوفاً على ما تقدمه ، بل متعلق بفعل مقدر ، أي : وليذكر أنزلناه وأوحيناه .
السادس : أنه خبر لمبتدأ مضمر ، التقدير : هذا بلاغ ، وهو لينذروا قاله ابن عطيَّة .
السابع : أنه عطف مفرداً على مفردٍ ، أي : هذا بلاغ وإنذار ، قاله المبردُ وهو تفسير معنى لا إعراب .
الثامن : أنه معطوف على قوله : " يُخْرجَ النَّاسَ " في أول السورة ، وهذا غريب جدًّا .
التاسع : قال أبو البقاء{[19415]} : " المعنى هذا بلاغٌ للنَّاسِ ، والإنذارُ متعلق بالبلاغ أو بمحذوف إذا جعلت النَّاس صفة .
ويجوز أن يتعلق بمحذوف ، وتقديره : ولينذروا به أنزل ، أو تلي " .
قال شهاب الدين{[19416]} : " فيؤدّي التقدير إلى أن يبقى التركيب : هذا بلاغ للإنذار والإنذار لا يتأتي فيه ذلك " .
وقرأ العامة : " لِيُنذَرُوا " مبنيًّا للمفعول . وقرأ مجاهدٌ{[19417]} وحميد بن قيس : " ولتُنْذِرُوا " بتاء مضمومة ، وكسر الذال -كأن البلاغ للعموم ، والإنذار للمخاطبين ، وقرأ{[19418]} يحيى بن عمارة الدراع من أبيه وأحمد بن يزيد بن أسيد السلمي " ولِيَنْذَرُوا " بفتح الياء والذال من نَذرَ بالشَّيء ، أي : علم به فاستعد له .
قالوا : ولو لم يعرف مصدر فهو ك " عَسَى " ، وغيرها من الأفعال التي لا مصادر لها .
معنى " لِيُنْذَرُوا " أي : وليخوفوا به { وليعلموا أَنَّمَا هُوَ إله وَاحِدٌ } أي : يستدلُّوا بهذه الآيات على وحدانيَّة الله -تعالى- : { وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُواْ الألباب } أي : يتّعظ أولو العقول .
قال القاضي{[19419]} : أول هذه السورة ، وأخرها يدلُّ على أنَّ العبد مستقل بفعله إن شاء أطاعه ، وإن شاء عصى .
أمَّا أوَّل هذه السورة فقوله تعالى : { لِتُخْرِجَ الناس مِنَ الظلمات إِلَى النور } وقد ذكرناه هناك .
وأمَّا آخر السورة فقوله تعالى : { وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُواْ الألباب } يدلُّ على أنَّه -تعالى- إنَّما أنزل هذه السورة ، وذكر هذه المواعظ ؛ لأجل أن ينتفع بها الخلق ؛ فيصيروا مؤمنين مطيعين ، ويتركوا الكفر والمعصية ، وقد تقدم جوابه .
روى أبو أمامة عن أبي بن كعب -رضي الله عنه- قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مَنْ قَرَأ سُورة إبْرَاهِيم أعْطِيَ مِنَ الأجْرِ عَشر حَسناتٍ بِعدَدِ مَنْ عَبدَ الأصْنامَ ، ومَنْ لَمْ يَعْبُدهَا " {[1]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.