اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{هَٰذَا بَلَٰغٞ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِهِۦ وَلِيَعۡلَمُوٓاْ أَنَّمَا هُوَ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ} (52)

قوله تعالى : { هذا بَلاَغٌ } إشارة إلى ما تقدَّم من قوله : " ولا تحْسَبنَّ " إلى هنا ، أو إلى كلِّ القرآن ، نزل منزلة الحاضر بلاغ ، أي : كافية في الموعظة .

قوله تعالى : { وَلِيُنذَرُواْ بِهِ } فيه أوجه :

أحدها : أنه متعلقٌ بمحذوف ، أي : ولينذروا أنزلنا عليك .

الثاني : [ أنه معطوف على محذوف ، وذلك المحذوف متعلق ب " بلاغ " ، تقديره : لينصحوا ولينذروا ]{[19413]} .

الثالث : أن الواو مزيدة : " ولِيُنْذَرُوا " متعلق ب " بَلاغٌ " ، وهو رأي الأخفش نقله الماورديُّ .

الرابع : أنه محمولٌ على المعنى ، أي : ليبلغوا ، ولينذروا .

الخامس : أن اللام لام الأمر ، وهو حسنٌ ، لولا قوله : " ولِيَذّكَّرَ " فإن منصوب فقط .

قال شهاب الدين{[19414]} : قال بعضهم : لا محذور في ذلك ، فإن قوله : " لِيَذَّكرَ " ليس معطوفاً على ما تقدمه ، بل متعلق بفعل مقدر ، أي : وليذكر أنزلناه وأوحيناه .

السادس : أنه خبر لمبتدأ مضمر ، التقدير : هذا بلاغ ، وهو لينذروا قاله ابن عطيَّة .

السابع : أنه عطف مفرداً على مفردٍ ، أي : هذا بلاغ وإنذار ، قاله المبردُ وهو تفسير معنى لا إعراب .

الثامن : أنه معطوف على قوله : " يُخْرجَ النَّاسَ " في أول السورة ، وهذا غريب جدًّا .

التاسع : قال أبو البقاء{[19415]} : " المعنى هذا بلاغٌ للنَّاسِ ، والإنذارُ متعلق بالبلاغ أو بمحذوف إذا جعلت النَّاس صفة .

ويجوز أن يتعلق بمحذوف ، وتقديره : ولينذروا به أنزل ، أو تلي " .

قال شهاب الدين{[19416]} : " فيؤدّي التقدير إلى أن يبقى التركيب : هذا بلاغ للإنذار والإنذار لا يتأتي فيه ذلك " .

وقرأ العامة : " لِيُنذَرُوا " مبنيًّا للمفعول . وقرأ مجاهدٌ{[19417]} وحميد بن قيس : " ولتُنْذِرُوا " بتاء مضمومة ، وكسر الذال -كأن البلاغ للعموم ، والإنذار للمخاطبين ، وقرأ{[19418]} يحيى بن عمارة الدراع من أبيه وأحمد بن يزيد بن أسيد السلمي " ولِيَنْذَرُوا " بفتح الياء والذال من نَذرَ بالشَّيء ، أي : علم به فاستعد له .

قالوا : ولو لم يعرف مصدر فهو ك " عَسَى " ، وغيرها من الأفعال التي لا مصادر لها .

فصل

معنى " لِيُنْذَرُوا " أي : وليخوفوا به { وليعلموا أَنَّمَا هُوَ إله وَاحِدٌ } أي : يستدلُّوا بهذه الآيات على وحدانيَّة الله -تعالى- : { وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُواْ الألباب } أي : يتّعظ أولو العقول .

قال القاضي{[19419]} : أول هذه السورة ، وأخرها يدلُّ على أنَّ العبد مستقل بفعله إن شاء أطاعه ، وإن شاء عصى .

أمَّا أوَّل هذه السورة فقوله تعالى : { لِتُخْرِجَ الناس مِنَ الظلمات إِلَى النور } وقد ذكرناه هناك .

وأمَّا آخر السورة فقوله تعالى : { وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُواْ الألباب } يدلُّ على أنَّه -تعالى- إنَّما أنزل هذه السورة ، وذكر هذه المواعظ ؛ لأجل أن ينتفع بها الخلق ؛ فيصيروا مؤمنين مطيعين ، ويتركوا الكفر والمعصية ، وقد تقدم جوابه .

ختام السورة:

روى أبو أمامة عن أبي بن كعب -رضي الله عنه- قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مَنْ قَرَأ سُورة إبْرَاهِيم أعْطِيَ مِنَ الأجْرِ عَشر حَسناتٍ بِعدَدِ مَنْ عَبدَ الأصْنامَ ، ومَنْ لَمْ يَعْبُدهَا " {[1]} .


[1]:في النسختين تقدم. وندم تصحيح من الرازي. وانظر تصحيح ذلك وغيره في تفسير الإمام 28/117.
[19413]:سقط من ب.
[19414]:ينظر: الدر المصون 4/283.
[19415]:ينظر: الإملاء 2/71.
[19416]:ينظر: الدر المصون 4/284.
[19417]:ينظر: البخر المحيط 5/429 والدر المصون 4/284.
[19418]:ينظر: المحرر الوجيز 3/348 والبحر المحيط 5/429 والدر المصون 4/284.
[19419]:19/118. ينظر: الفخر الرازي