في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ٱذۡهَب بِّكِتَٰبِي هَٰذَا فَأَلۡقِهۡ إِلَيۡهِمۡ ثُمَّ تَوَلَّ عَنۡهُمۡ فَٱنظُرۡ مَاذَا يَرۡجِعُونَ} (28)

15

ولا يتسرع سليمان في تصديقه أو تكذيبه ؛ ولا يستخفه النبأ العظيم الذي جاءه به . إنما يأخذ في تجربته ، للتأكد من صحته . شأن النبي العادل والملك الحازم :

( قال : سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين . اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم ، ثم تول عنهم ، فانظر ماذا يرجعون ) .

ولا يعلن في هذا الموقف فحوى الكتاب ، فيظل ما فيه مغلقا كالكتاب نفسه ، حتى يفتح ويعلن هناك . وتعرض المفاجأة الفنية في موعدها المناسب !

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{ٱذۡهَب بِّكِتَٰبِي هَٰذَا فَأَلۡقِهۡ إِلَيۡهِمۡ ثُمَّ تَوَلَّ عَنۡهُمۡ فَٱنظُرۡ مَاذَا يَرۡجِعُونَ} (28)

القول في تأويل قوله تعالى : { قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * اذْهَب بّكِتَابِي هََذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمّ تَوَلّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ } .

يقول تعالى ذكره : قالَ سليمان للهدهد : سَنَنْظُرُ فيما اعتذرت به من العذر ، واحتججت به من الحجة لغيبتك عنا ، وفيما جئتنا به من الخير أصَدَقْتَ في ذلك كله أمْ كُنْتَ مِنَ الكاذِبِينَ فيه اذْهَبْ بكِتابِي هذَا فأَلْقْهِ إِلَيْهِمْ ثُمّ تَوَلّ عَنْهُمْ فانْظُرْ ماذَا يَرْجِعُونَ .

فاختلف أهل التأويل في تأويل ذلك فقال بعضهم : معناه : اذهب بكتابي هذا ، فألقه إليهم ، فانظر ماذا يَرْجِعون ، ثم تولّ عنهم منصرفا إليّ ، فقال : هو من المؤخّر الذي معناه التقديم . ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد : فأجابه سليمان ، يعني أجاب الهدهد لَمّا فرغ : قالَ سَنَنْظُرُ أصَدَقْتَ أمْ كُنْتَ مِنَ الكاذِبِينَ . اذْهَبْ بكِتابِي هَذَا فَألْقِهْ إلَيْهِمْ وانظر ماذا يرجعون ، ثم تولّ عنهم منصرفا إليّ . وقال : وكانت لها كَوّة مستقبلةُ الشمس ، ساعة تطلع الشمس تطلع فيها فتسجد لها ، فجاء الهدهد حتى وقع فيها فسدّها ، واستبطأت الشمس ، فقامت تنظر ، فرمى بالصحيفة إليها من تحت جناحه ، وطار حتى قامت تنظر الشمس .

قال أبو جعفر : فهذا القول من قول ابن زيد يدلّ على أن الهدهد تولى إلى سليمان راجعا ، بعد إلقائه الكتاب ، وأن نظره إلى المرأة ما الذي ترجع وتفعل كان قبل إلقائه كتاب سليمان إليها .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم ، ثم تولّ عنهم ، فكن قريبا منهم ، وانظر ماذا يرجعون قالوا : وفعل الهدهد ، وسمع مراجعة المرأة أهل مملكتها ، وقولها لهم : إنّي أُلْقِيَ إليّ كِتابٌ كَرِيمٌ ، إنّهُ مِنْ سُلَيْمانَ ، وَإنّهُ بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ وما بعد ذلك من مراجعة بعضهم بعضا . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن بعض أهل العلم ، عن وهب بن منبه ، قوله : فَأَلْقِهْ إلَيْهمْ ثُمّ تَوَلّ عَنْهُمْ : أي كن قريبا فانْظُرْ ماذَا يَرْجِعُونَ . وهذا القول أشبه . بتأويل الاَية ، لأن مراجعة المرأة قومها ، كانت بعد أن ألقي إليها الكتاب ، ولم يكن الهدهد لينصرف وقد أُمر بأن ينظر إلى مراجعة القوم بينهم ما يتراجعونه قبل أن يفعل ما أمره به سليمان .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{ٱذۡهَب بِّكِتَٰبِي هَٰذَا فَأَلۡقِهۡ إِلَيۡهِمۡ ثُمَّ تَوَلَّ عَنۡهُمۡ فَٱنظُرۡ مَاذَا يَرۡجِعُونَ} (28)

وأمر بكتاب فكتب وحمله إياه وأمره بإلقائه إلى القوم والتولي بعد ذلك ، وقال وهب بن منبه أمره بالتولي حسن أدب ، ليتنحى حسبما يتأدب به مع الملوك بمعنى وكن قريباً حتى ترى مراجعاتهم ، وقال ابن زيد : أمره بالتولي بمعنى الرجوع إليه أي ألقه وارجع .

قال وقوله { فانظر ماذا يرجعون } في معنى التقديم على قوله { ثم تول } .

قال القاضي أبو محمد : واتساق رتبه الكلام أظهر أي «ألقه ثم تول » وفي خلال ذلك { فانظر } وإنما أراد أن يكل الأمر إلى علم ما في الكتاب دون أن تكون للرسول ملازمة ولا إلحاح .

وقرأ نافع «فألقِه » بكسر الهاء ، وفرقة «فألقهُ » بضمها ، وقرأ ابن كثير وابن عامر والكسائي بإشباع ياء بعد الكسرة في الهاء ، وروى عنه ورش بياء بعد الهاء في الوصل ، وقرأ قوم بإشباع واو بعد الضمة ، وقرأ البزي عن أبي عمرو وعاصم وحمزة «فألقهْ » بسكون الهاء{[9015]} ، وروي عن وهب بن منبه في قصص هذه الآية أن الهدهد وصل فألفى دون هذه الملكة حجب جدرات فعمد إلى كوة كانت بلقيس صنعتها لتدخل منها الشمس عن طلوعها لمعنى عبادتها إياها فدخل منها ورمى الكتاب على بلقيس وهي فيما يروى نائمة ، فلما انتبهت وجدته فراعها وظنت أنه قد دخل عليها أحد ثم قامت فوجدت حالها كما عهدته فنظرت إلى الكوة تهمماً بأمر الشمس فرأت الهدهد فعلمت أمره ثم جمعت أهل ملكها وعلية قومها فخاطبتهم بما يأتي بعد .


[9015]:في قوله تعالى: {إذهب بكتابي هذا فألقه إليهم} دليل على إرسال الكتب إلى المشركين من الإمام يبلغهم الدعوة ويدعوهم إلى الإسلام، وقد كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وقيصر وغيرهما من الملوك يدعوهم إلى الإسلام.