السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{ٱذۡهَب بِّكِتَٰبِي هَٰذَا فَأَلۡقِهۡ إِلَيۡهِمۡ ثُمَّ تَوَلَّ عَنۡهُمۡ فَٱنظُرۡ مَاذَا يَرۡجِعُونَ} (28)

ثم شرع فيما يختبره به فكتب له كتاباً على الفور في غاية الوجازة قصداً للإسراع في إزالة المنكر على تقدير صدق الهدهد بحسب الاستطاعة ، ودل على إسراعه في كتابته بقوله جواباً له : { اذهب بكتابي هذا } فكأنه كان مهيأ عنده فدفعه إليه وأمره بالإسراع ، فطار كأنه البرق ولهذا أشار بالفاء في قوله : { فألقه إليهم } أي : الذين ذكرت أنهم يعبدون الشمس وذلك للاهتمام بأمر الدين ، وقرأ أبو عمرو وشعبة وخلاد بخلاف عنه فألقه بسكون الهاء ، واختلس الكسرة قالون وهشام بخلاف عنه ، والباقون بإشباع الكسرة . { ثم } قال له إذا ألقيته إليهم { تولّ } أي : تنحّ { عنهم } إلى مكان تسمع فيه كلامهم ولا يصلون معه إليك { فانظر ماذا يرجعون } أي : يردّون من الجواب ، وقال ابن زيد في الآية تقديم وتأخير ، مجازها اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم فانظر ماذا يرجعون ، ثم توّل عنهم أي : انصرف إليّ ، فأخذ الهدهد الكتاب وأتى إلى بلقيس وكانت بأرض يقال لها مأرب من صنعاء على ثلاثة أيام .

قال قتادة : فوافاها في قصرها وقد غلقت الأبواب وكانت إذا رقدت غلقت الأبواب وأخذت المفاتيح فوضعتها تحت رأسها ، فأتاها الهدهد وهي نائمة مستلقية على قفاها فألقى الكتاب على نحرها ، وقيل نقرها فانتبهت فزعة ، وقال مقاتل : حمل الهدهد الكتاب بمنقاره حتى وقف على رأس المرأة وحولها القادة والجنود فرفرف ساعة ، والناس ينظرون إليه حتى رفعت المرأة رأسها فألقى الكتاب في حجرها ، وقال وهب بن منبه وابن زيد : كانت لها كوة مستقبلة الشمس تقع الشمس فيها حين تطلع فإذا نظرت إليها سجدت لها ، فجاء الهدهد إلى الكوّة فسدها بجناحه فارتفعت الشمس ولم تعلم بها ، فلما استبطأت الشمس قامت تنظر إليها ، فرمى بالصحيفة إليها فأخذت بلقيس الكتاب وكانت قارئة فلما رأت الخاتم ارتعدت وخضعت لأنّ ملك سليمان كان في خاتمه وعرفت أنّ الذي أرسل الكتاب أعظم ملكاً منها ، وقرأت الكتاب وتأخر الهدهد فجاءت حتى قعدت على سرير ملكها وجمعت الملأ من قومها وهم اثنا عشر ألف قائد مع كل قائد ألف مقاتل ، وعن ابن عباس قال : كان مع بلقيس مائة ألف ، قيل مع كل قيل مائة ألف ، والقيل : الملك دون الملك الأعظم ، وقال قتادة ومقاتل : كان أهل مشورتها ثلثمائة وثلاثة عشر رجلاً كل رجل منهم على عشرة آلاف .