اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{ٱذۡهَب بِّكِتَٰبِي هَٰذَا فَأَلۡقِهۡ إِلَيۡهِمۡ ثُمَّ تَوَلَّ عَنۡهُمۡ فَٱنظُرۡ مَاذَا يَرۡجِعُونَ} (28)

قوله : «فَأَلْقِهِ » ، قرأ أبو عمرو وحمزة وأبو بكر بإسكان الهاء ، وقالون بكسرها فقط من غير صلة بلا خلاف عنه ، وهشام عنه وجهان : القصر والصلة{[38800]} ، والباقون بالصلة بلا خلاف ، وتقدم توجيه ذلك في «آل عمران » و «النساء » وغيرهما{[38801]} ، عند { يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ } [ آل عمران : 75 ] و { نُوَلِّهِ مَا تولى }{[38802]} . وقرأ مسلم بن جندب{[38803]} بضم الهاء موصولة بواو «فَأَلْقِهُو إِلَيْهِمْ »{[38804]} ، وقد تقدم أن الضم الأصل ، وقال «إليهم » - على لفظ الجمع - لأنه قال : { وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ } [ النمل : 24 ] والمعنى : فألقه إلى الذين هذا دينهم{[38805]} .

قوله : { ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ } ، زعم أبو علي وغيره أن في الكلام تقديماً ، وأن الأصل : فانظر ماذا يرجعون ، ثم تول عنهم{[38806]} . ولا حاجة إلى هذا ، لأن المعنى بدونه صحيح ، أي : قف قريباً منهم{[38807]} لتنظر{[38808]} ماذا يكون{[38809]} .

قوله : «مَاذَا يَرْجِعُونَ » إن جعلنا ( انظر ) بمعنى : تأمل وتفكر كانت «ما » استفهامية ، وفيها حينئذٍ وجهان :

أحدهما : أن يجعل مع «ذا » بمنزلة اسم واحد ، وتكون مفعولة ب «يرجعون » تقديره : أي شيء ترجعون .

والثاني : أن يجعل «ما » مبتدأ ، و «ذا » بمعنى الذي ، و «يرجعون » صلتها ، وعائدها محذوف تقديره : أي شيء الذي يرجعونه ، وهذا الموصول هو خبر ما الاستفهامية وعلى التقديرين فالجملة الاستفهامية مُعَلِّقة ل «انظر » فمحلّها النصب على إٍسقاط الخافض أي : انظر في كذا وفكر فيه وإن جعلناه بمعنى انتظر من قوله { انظرونا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ } [ الحديد : 13 ] كانت «مَاذَا » بمعنى الذي ، ( و «يَرْجعُونَ » صلتها وعائدها محذوف ){[38810]} ، والعائد مقدّر كما تقرر وهذا الموصول مفعول به ، أي : انتظر الذي يرجعون . قال{[38811]} أبو حيان : و «ماذا »{[38812]} إن كان معنى{[38813]} «فانظُر » معنى التأمل بالفكر كان انظر معلقاً ، و «ماذا » إما{[38814]} أن يكون كلمة{[38815]} استفهام في موضع نصب ، وإما أن يكون «ما » استفهاماً ، و «ذا » موصولة بمعنى الذي ، فعلى الأول يكون «يرجعون » خبراً عن «ماذا » ، وعلى الثاني يكون «ذا » هو الخبر ، و «يرجعون » صلة{[38816]} انتهى .

وهذا غلط إما من الكاتب ، وإما من غيره ؛ وذلك أن قوله : «فعلى الأول » يعني به أن «ماذا »{[38817]} كلمة استفهام في موضع{[38818]} نصب يمنع قوله : «يَرْجِعُونَ » خبراً{[38819]} عن «ماذا » ، كيف يكون خبراً عنه وهو منصوب به كما تقرر ، وقد صرَّح هو بأنه منصوب يعني بما بعده ولا يعمل فيه ما قبله ، وهذا نظير ما تقدم في آخر السورة قبلها في قوله : { وَسَيَعْلَمْ الذين ظلموا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ } [ الشعراء : 227 ] في كون اسم الاستفهام معمولاً لما بعده ، وهو معلق لما قبله ، فكما حكمت على الجملة من «يَنْقَلِبُونَ »{[38820]} وما اشتملت عليه من اسم الاستفهام المعمول لها بالنصب على سبيل التعليق ، كذلك يحكم على «يَرْجِعُونَ » فكيف تقول : إنها خبر ؟ .


[38800]:المراد الصلة: إشباع حركة الهاء. السبعة (481)، الكشف 2/159، الإتحاف (336).
[38801]:في سورة النور عند قوله تعالى: {ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه}[النور: 52].
[38802]:من قوله تعالى: {نوله ما تولى ونصله جهنم}[النساء: 115]. انظر اللباب 3/160.
[38803]:هو مسلم بن جندب أبو عبد الله الهذلي مولاهم، المدني القاصّ، تابعي مشهور، عرض على عبد الله بن عياش وعرض عليه نافع وغيره، مات حوالي سنة 110 هـ. طبقات القراء 2/297.
[38804]:المختصر (109)، البحر المحيط 7/70.
[38805]:انظر الفخر الرازي 24/193.
[38806]:نقله أبو حيان عن ابن زيد وأبي علي. انظر البحر المحيط 7/70.
[38807]:منهم: سقط من ب.
[38808]:في ب: انتظر.
[38809]:انظر البحر المحيط 7/70.
[38810]:ما بين القوسين في ب: و"يرجعون" صلة.
[38811]:في ب: وقال.
[38812]:في ب: وما. وهو تحريف.
[38813]:في ب: بمعنى.
[38814]:إما: سقط من ب.
[38815]:في الأصل: كله.
[38816]:البحر المحيط 7/70-71.
[38817]:في الأصل: كله.
[38818]:في ب: محل.
[38819]:في ب: بهمز. وهو تحريف.
[38820]:في ب: منقلبون. وهو تحريف.