الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{ٱذۡهَب بِّكِتَٰبِي هَٰذَا فَأَلۡقِهۡ إِلَيۡهِمۡ ثُمَّ تَوَلَّ عَنۡهُمۡ فَٱنظُرۡ مَاذَا يَرۡجِعُونَ} (28)

{ اذْهَب بِّكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ } فكن قريباً منهم { فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ } يردّون من الجواب .

وقال ابن زيد : في الآية تقديم وتأخير مجازها : اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم وانظر ماذا يرجعون ثم تولَّ عنهم أي انصرف ، كقوله

{ ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ } [ القصص : 24 ] أي انصرف إليه ، فأخذ الهدهد الكتاب وأتى به الى بلقيس وكانت بأرض يقال لها مأرب من صنعاء على ثلاثة أيام ، فوافاها في قصرها وقد غلّقت الأبواب ، وكانت إذا رقدت غلقّت الأبواب وأخذت المفاتيح فوضعتها تحت رأسها وآوت إلى فراشها ، فأتاها الهُدهد وهي نائمة مستلقية على قفاها فألقى الكتاب على نحرها ، هذا قول قتادة .

وقال مقاتل : حمل الهدهد الكتاب بمنقاره فطار حتى وقف على رأس المرأة ، وحولها القادة والجنود ، فرفرف ساعة والناس ينظرون حتى رفعت المرأة رأسها فألقى الكتاب في حجرها .

وقال ابن منبّه وابن زيد : كانت لها كوّة مستقبلة الشمس ، تقع الشمس فيها حين تطلع ، فإذا نظرت إليها سجدت لها ، فجاء الهُدهد تلك الكوّة فسدّها بجناحه ارتفعت الشمس ولم تعلم ، فلمّا استبطأت الشمس قامت تنظر فرمى بالصحيفة إليها .

قالوا : فأخذت بلقيس الكتاب وكانت كاتبة قارئةً عربيةً من قوم تبع بن شراحيل الحميري ، فلمّا رأت الخاتم ارتعدت وخضعت لأن ملك سليمان ( عليه السلام ) كان في خاتمه ، وعرفت أنّ الذي أرسل هذا الكتاب هو أعظم مُلْكاً منها ؛ لأن مَلِكاً رُسله الطير إنّه لمَلِك عظيم ، فقرأت الكتاب وتأخّر الهدهد غير بعيد فجاءت حتى قعدت على سرير ملكها وجمعت الملأ من قومها وهم اثنا عشر ألف قائد ، مع كلّ قائد مائة ألف مقاتل .

وقال قتادة ومقاتل والثمالي : كان أهل مشورتها ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً كل رجل منهم على عشرة آلاف .