في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَعَسَىٰ رَبِّيٓ أَن يُؤۡتِيَنِ خَيۡرٗا مِّن جَنَّتِكَ وَيُرۡسِلَ عَلَيۡهَا حُسۡبَانٗا مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فَتُصۡبِحَ صَعِيدٗا زَلَقًا} (40)

28

ويرجو عند ربه ما هو خير من الجنة والثمار :

( فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِي خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَاناً مِنْ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً )

وهكذا تنتفض عزة الإيمان في النفس المؤمنة ، فلا تبالي المال والنفر ، ولا تداري الغنى والبطر ، ولا تتلعثم في الحق ، ولا تجامل فيه الأصحاب . وهكذا يستشعر المؤمن أنه عزيز أمام الجاه والمال ، وأن ما عند الله خير من أعراض الحياة ، وأن فضل الله عظيم وهو يطمع في فضل الله . وأن نقمة الله جبارة وأنها وشيكة أن تصيب الغافلين المتبطرين .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَعَسَىٰ رَبِّيٓ أَن يُؤۡتِيَنِ خَيۡرٗا مِّن جَنَّتِكَ وَيُرۡسِلَ عَلَيۡهَا حُسۡبَانٗا مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فَتُصۡبِحَ صَعِيدٗا زَلَقًا} (40)

القول في تأويل قوله تعالى : { فعسَىَ رَبّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْراً مّن جَنّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَاناً مّنَ السّمَآءِ فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً * أَوْ يُصْبِحَ مَآؤُهَا غَوْراً فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً } .

يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل المؤمن الموقن للمعاد إلى الله للكافر المرتاب في قيام الساعة : إن تَرَن أيها الرجل أنا أقلّ منك مالاً وولدا في الدنيا ، فعسى ربي أن يرزقني خيرا من بستانك هذا وَيُرْسِلَ عَلَيْها يعني على جنة الكافر التي قال لها : ما أظنّ أن تبيد هذه أبدا حُسْبانا مِنَ السّماءِ يقول : عذابا من السماء ترمي به رميا ، وتقذف . والحُسْبان : جمع حُسْبانة ، وهي المرامي . وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة أوْ يُرْسِلَ عَلَيْها حُسْبانا مِنَ السّماءِ عذابا .

حُدثت عن محمد بن يزيد ، عن جويبر ، عن الضحاك ، قال : عذابا .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : أوْ يُرْسِلَ عَلَيْها حُسْبانا مِنَ السّماءِ . قال : عذابا ، قال : الحُسبان : قضاء من الله يقضيه .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قال : الحُسبان : العذاب .

حدثنا الحسن بن محمد ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله حُسْبانا مِنَ السّماءِ قال : عذابا . وقوله : فَتُصْبِحَ صَعِيدا زَلَقا يقول عزّ ذكره : فتصبح جنتك هذه أيها الرجل أرضا ملساء لا شيء فيها ، قد ذهب كلّ ما فيها من غَرْس ونبت ، وعادت خرابا بلاقع ، زَلَقا ، لا يثبت في أرضها قدم لا ملساسها ، ودروس ما كان نابتا فيها .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : فَتُصْبِحَ صَعِيدا زَلَقا : أي قد حُصِد ما فيها فلم يُترك فيها شيء .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عباس : فَتُصْبِحَ صَعِيدا زَلَقا قال : مثل الجُرز .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال ابن زيد ، في قوله : فَتُصْبِحَ صَعِيدا زَلَقا قال : صعيدا زلقا وصعيدا جُرزا واحد ليس فيها شيء من النبات .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَعَسَىٰ رَبِّيٓ أَن يُؤۡتِيَنِ خَيۡرٗا مِّن جَنَّتِكَ وَيُرۡسِلَ عَلَيۡهَا حُسۡبَانٗا مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فَتُصۡبِحَ صَعِيدٗا زَلَقًا} (40)

{ فعسى ربي أن يُؤتينِ خيرا من جنّتك } في الدنيا أو في الآخرة لإيماني وهو جواب الشرط . { ويُرسل عليها } على جنتك لكفرك . { حسبانا من السماء } مرامي جمع حسبانة وهي الصواعق . وقيل هو مصدر بمعنى الحساب المراد به التقدير بتخريبها أو عذاب حساب الأعمال السيئة . { فُتصبح صعيدا زَلقاً } أرضا ملساء يزلق عليها باستئصال نباتها وأشجارها .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَعَسَىٰ رَبِّيٓ أَن يُؤۡتِيَنِ خَيۡرٗا مِّن جَنَّتِكَ وَيُرۡسِلَ عَلَيۡهَا حُسۡبَانٗا مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فَتُصۡبِحَ صَعِيدٗا زَلَقًا} (40)

( أنا ) ضمير فصل ، فلذلك كان أقل } منصوباً على أنه مفعول ثاننٍ ل { ترن } ولا اعتداد بالضمير .

و ( عسى ) للرجاء ، وهو طلب الأمر القريب الحصول . ولعله أراد به الدعاء لنفسه وعلى صاحبه .

والحسبان : مصدر حسب كالغفران . وهو هنا صفة لموصوف محذوف ، أي هلاكاً حسباناً ، أي مقدراً من الله ، كقوله تعالى : { عطاء حساباً } [ النبأ : 36 ] . وقيل : الحسبان اسم جمع لسهام قصار يرمى بها في طلق واحد وليس له مفرد . وقيل : اسم جمع حُسبانة وهي الصاعقة . وقيل : اسم للجراد . والمعاني الأربعة صالحة هنا ، والسماء : الجو المرتفع فوق الأرض .

والصعيد : وجه الأرض . وتقدم عند قوله تعالى : { فتيمموا صعيداً طيباً } [ المائدة : 6 ] . وفسروه هنا بذلك فيكون ذكره هنا توطئة لإجراء الصفة عليه وهي { زلقاً } .

وفي « اللسان » عن الليث « يقال للحَديقة ، إذا خربت وذهب شجراؤها : قد صارت صعيداً ، أي أرضاً مستوية لا شجر فيها »ا هـ . وهذا إذا صح أحسن هنا ، ويكون وصفه ب { زلقاً } مبالغة في انعدام النفع به بالمرة . لكني أظن أن الليث ابتكر هذا المعنى من هذه الآية وهو تفسير معنى الكلام وليس تبييناً لمدلول لفظ صعيد . ونظيره قوله : { وإنا لجاعلون ما عليها صعيداً جرزاً } [ الكهف : 8 ] في أول هذه السورة .

والزلق : مصدر زلقت الرجل ، إذا اضطربت وزلت على الأرض فلم تستقر . ووصف الأرض بذلك مبالغة ، أي ذات زلق ، أي هي مزْلِقَة .