فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{فَعَسَىٰ رَبِّيٓ أَن يُؤۡتِيَنِ خَيۡرٗا مِّن جَنَّتِكَ وَيُرۡسِلَ عَلَيۡهَا حُسۡبَانٗا مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فَتُصۡبِحَ صَعِيدٗا زَلَقًا} (40)

{ فعسى رَبّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْرًا من جَنَّتِكَ } هذا جواب الشرط ، أي : إن ترني أفقر منك ، فأنا أرجو أن يرزقني الله سبحانه جنة خيراً من جنتك في الدنيا أو في الآخرة أو فيهما { وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا } أي : ويرسل على جنتك حسباناً ، والحسبان مصدر ، بمعنى : الحساب كالغفران ، أي : مقداراً قدّره الله عليها ، ووقع في حسابه سبحانه ، وهو الحكم بتخريبها . قال الزجاج : الحسبان من الحساب أي : يرسل عليها عذاب الحساب ، وهو حساب ما كسبت يداك . وقال الأخفش : حسباناً : أي مرامي { مّنَ السماء } واحدها حسبانه ، وكذا قال أبو عبيدة والقتيبي . وقال ابن الأعرابي : الحسبانة : السحابة ، والحسبانة : الوسادة ، والحسبانة : الصاعقة ، وقال النضر بن شميل : الحسبان : سهام يرمي بها الرجل في جوف قصبة تنزع في قوس ، ثم يرمي بعشرين منها دفعة ، والمعنى : يرسل عليها مرامي من عذابه : إما برد ، وإما حجارة أو غيرهما مما يشاء من أنواع العذاب . ومنه قول أبي زياد الكلابي :

أصاب الأرض حسبان *** . . .

أي : جراد { فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا } أي : فتصبح جنة الكافر بعد إرسال الله سبحانه عليها حسباناً صعيداً ، أي : أرضاً لا نبات بها وقد تقدّم تحقيقه { زلقاً } أي : تزلّ فيها الأقدام لملاستها ، يقال : مكان زلق بالتحريك أي : دحض ، وهو في الأصل مصدر قولك زلقت رجله تزلق زلقاً وأزلقها غيره ، والمزلقة : الموضع الذي لا يثبت عليه قدم ، وكذا الزلاقة ، وصف الصعيد بالمصدر مبالغة ، أو أريد به المفعول .

/خ44