البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{فَعَسَىٰ رَبِّيٓ أَن يُؤۡتِيَنِ خَيۡرٗا مِّن جَنَّتِكَ وَيُرۡسِلَ عَلَيۡهَا حُسۡبَانٗا مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فَتُصۡبِحَ صَعِيدٗا زَلَقًا} (40)

الحسبان في اللغة الحساب ، ويأتي أقوال أهل التفسير فيه .

الزلق : ما لا يثبت فيه القدم من الأرض .

ثم أردف تلك النصيحة بترجية من الله ، وتوقعه أن يقلب ما به وما بصاحبه من الفقر والغنى .

فقال : { إن ترن أنا أقل منك مالاً وولداً } أي إني أتوقع من صنع الله تعالى وإحسانه أن يمنحني جنة خيراً من جنتك لإيماني به ، ويزيل عنك نعمته لكفرك به ويخرب بستانك .

وقرأ الجمهور : { أقل } بالنصب مفعولاً ثانياً لترني وهي علمية لا بصرية لوقوع { أنا } فصلاً ، ويجوز أن يكون توكيداً للضمير المنصوب في ترني ، ويجوز أن تكون بصرية و { أنا } توكيد للضمير في ترني المنصوب فيكون { أقل } حالاً .

وقرأ عيسى بن عمر { أقل } بالرفع على أن تكون أنا مبتدأ ، و { أقل } خبره ، والجملة في موضع مفعول ترني الثاني إن كانت علمية ، وفي موضع الحال إن كانت بصرية .

ويدل قوله { وولداً } على أن قول صاحبه { وأعز نفراً } عنى به الأولاد إن قابل كثرة المال بالقلة وعزة النفر بقلة الولد .

والحسبان ، قال ابن عباس وقتادة : العذاب .

وقال الضحاك : البرد .

وقال الكلبي : النار .

وقال ابن زيد : القضاء .

وقال الأخفش : سهام ترمي في مجرى فقلما تخطئ .

وقيل : النبل .

وقيل : الصواعق .

وقيل : آفة مجتاحة .

وقال الزجاج : عذاب حسبان وذلك الحسبان حساب ما كسبت يداك ، وهذا الترجي إن كان ذلك أن يؤتيه في الدنيا فهي أنكى للكافر وآلم إذ يرى حاله من الغنى قد انتقلت إلى صاحبه ، وإن كان ذلك أن يؤتيه في الآخرة فهو أشرف وأذهب مع الخير والصلاح { فتصبح صعيداً } أي أرضاً بيضاء لا نبات فيها لا من كرم ولا نخل ولا زرع ، قد اصطلم جميع ذلك فبقيت يباباً قفراً يزلق عليها لإملاسها ، والزلق الذي لا تثبت فيه قدم ذهب غراسه وبناؤه وسلب المنافع حتى منفعة المشي فيه فهو وحل لا ينبت ولا يثبت فيه قدم .

وقال الحسن : الزلق الطريق الذي لا نبات فيه .

وقيل : الخراب .

وقال مجاهد : رملاً هائلاً .

وقيل : الزلق الأرض السبخة وترجِّي المؤمن لجنة هذا الكافر آفة علوية من السماء أو آفة سفلية من الأرض ، وهو غور مائها فيتلف كل ما فيها من الشجر والزرع ،