( ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ، ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون ؟ ذلك بأنهم قالوا : لن تمسنا النار إلا أياما معدودات ، وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون . فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه ، ووفيت كل نفس ما كسبت ؟ وهم لا يظلمون ) . .
إنه سؤال التعجيب والتشهير من هذا الموقف المتناقض الغريب . موقف الذين أوتوا نصيبا من الكتاب . وهو التوراة لليهود ومعها الإنجيل للنصارى . وكل منهما( نصيب ) من الكتاب باعتبار أن كتاب الله هو كل ما أنزل على رسله ، وقرر فيه وحدة ألوهيته ووحدة قوامته . فهو كتاب واحد في حقيقته ، أوتي اليهود نصيبا منه ، وأوتي النصارى نصيبا منه ، وأوتي المسلمون الكتاب كله باعتبار القرآن جامعا لأصول الدين كله ، ومصدقا لما بين يديه من الكتاب . . سؤال التعجيب من هؤلاء ( الذين أوتوا نصيبا من الكتاب ) . . ثم هم يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم في خلافاتهم ، وليحكم بينهم في شؤون حياتهم ومعاشهم ، فلا يستجيبون جميعا لهذه الدعوة ، إنما يتخلف فريق منهم ويعرض عن تحكيم كتاب الله وشريعته . الأمر الذي يتناقض مع الإيمان بأي نصيب من كتاب الله ؛ والذي لا يستقيم مع دعوى أنهم أهل كتاب :
( ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ، ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون ؟ ) . .
هكذا يعجب الله من أهل الكتاب حين يعرض بعضهم - لا كلهم - عن الاحتكام إلى كتاب الله في أمور الاعتقاد وأمور الحياة . فكيف بمن يقولون : إنهم مسلمون ، ثم يخرجون شريعة الله من حياتهم كلها . ثم يظلون يزعمون أنهم مسلمون ! إنه مثل يضربه الله للمسلمين أيضا كي يعلموا حقيقة الدين وطبيعة الإسلام ؛ ويحذروا أن يكونوا موضعا لتعجيب الله وتشهيره بهم . فإذا كان هذا هو استنكار موقف أهل الكتاب الذين لم يدعوا الإسلام ، حين يعرض فريق منهم عن التحاكم إلى كتاب الله ، فكيف يكون الاستنكار إذا كان " المسلمون " هم الذين يعرضون هذا الاعراض . . إنه العجب الذي لا ينقضي ، والبلاء الذي لا يقدر ، والغضب الذي ينتهي إلى الشقوة والطرد من رحمة الله ! والعياذ بالله !
{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مّنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمّ يَتَوَلّى فَرِيقٌ مّنْهُمْ وَهُمْ مّعْرِضُونَ }
يعني بذلك جلّ ثناؤه : { ألم تَرَ } يا محمد { إلى الّذِينَ أُوتُوا نَصِيبا مِنَ الكِتَابِ } يقول : الذين أُعطوا حظا من الكتاب ، يدعون إلى كتاب الله .
واختلف أهل التأويل في الكتاب الذي عنى الله بقوله : { يُدْعَوْنَ إلى كِتابِ اللّهِ } فقال بعضهم : هو التوراة دعاهم إلى الرضا بما فيها ، إذ كانت الفرق المنتحلة الكتب تُقِرّ بها وبما فيها أنها كانت أحكام الله قبل أن ينسخ منها ما نسخ . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا يونس ، قال : حدثنا محمد بن إسحاق ، قال : ثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت ، قال : ثني سعيد بن جبير وعكرمة ، عن ابن عباس ، قال : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت المدراس على جماعة من يهود ، فدعاهم إلى الله ، فقال له نعيم بن عمرو والحارث بن زيد : على أيّ دين أنت يا محمد ؟ فقال : «على مِلّة إبْراهِيم ودِينِه » ، فقالا : فإن إبراهيم كان يهوديا ، فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم : «فَهَلُمّوا إلى التّوْرَاةِ فَهِيَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ » . فأبَوْا عَلَيْهِ ، فأنزل الله عزّ وجلّ : { ألَمْ تَرَ إلى الذِينَ أُوتُوا نَصِيبا مِنَ الكِتابِ يُدْعَوْنَ إلى كِتابِ اللّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمّ يَتَوَلى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ } . . . إلى قوله : { ما كانُوا يَفْتَرُونَ } .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن محمد بن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد مولى آل زيد ، عن سعيد بن جبير أو عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت المدراس ، فذكر نحوه ، إلا أنه قال : فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم : «فَهَلُمّا إلى التّوْرَاةِ » ، وقال أيضا : فأنزل الله فيهما : { ألَمْ تَرَ إلى الّذِينَ أُوتُوا نَصِيبا مِنَ الكِتابِ } وسائر الحديث مثل حديث أبي كريب .
وقال بعضهم : بل ذلك كتاب الله الذي أنزله على محمد ، وإنما دعيت طائفة منهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحكم بينهم بالحقّ ، فأبت . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : { ألَمْ تَرَ إلى الّذِينَ أُوتُوا نَصِيبا مِنَ الكِتابِ يُدْعَوْنَ إلى كِتابَ اللّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمّ يَتَوَلّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ } أولئك أعداء الله اليهود ، دعوا إلى كتاب الله ليحكم بينهم ، وإلى نبيه ليحكم بينهم وهم يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل ، ثم تولوا عنه وهم معرضون .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن قتادة : { ألَمْ تَرَ إلى الّذِينَ أُوتُوا نَصِيبا مِنَ الكِتابِ } . . . الاَية ، قال : هم اليهود دعوا إلى كتاب الله وإلى نبيه ، وهم يجدونه مكتوبا عندهم ، ثم يتولون وهم معرضون .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج قوله : { ألَمْ تَرَ إلى الّذِينَ أُوتُوا نَصِيبا مِنَ الكِتابِ يُدْعَوْنَ إلى كِتابِ اللّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ } قال : كان أهل الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم بالحقّ يكون وفي الحدود ، وكان النبيّ صلى الله عليه وسلم يدعوهم إلى الإسلام ، فيتولون عن ذلك .
وأولى الأقوال في تأويل ذلك عندي بالصواب أن يقال : إن الله جل ثناؤه أخبر عن طائفة من اليهود الذين كانوا بين ظهراني مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم في عهده ، ممن قد أوتي علما بالتوراة أنهم دعوا إلى كتاب الله الذي كانوا يقرّون أنه من عند الله وهو في التوراة في بعض ما تنازعوا فيه هم ورسول الله صلى الله عليه وسلم . وقد يجوز أن يكون تنازعهم الذي كانوا تنازعوا فيه ثم دعوا إلى حكم التوراة فيه ، فامتنعوا من الإجابة إليه ، كان أمر محمد صلى الله عليه وسلم وأمر نبوّته . ويجوز أن يكون ذلك كان أمر إبراهيم خليل الرحمن ودينه . ويجوز أن يكون ذلك ما دعوا إليه من أمر الإسلام ، والإقرار به . ويجوز أن يكون ذلك كان في حدّ ، فإن كل ذلك مما قد كانوا نازعوا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدعاهم فيه إلى حكم التوراة ، فأبى الإجابة فيه ، وكتمه بعضهم . ولا دلالة في الاَية على أن ذلك كان ممن أبى ، فيجوز أن يقال : هو هذا دون هذا . ولا حاجة بنا إلى معرفة ذلك ، لأن المعنى الذي دعوا إليه جملته هو مما كان فرضا عليهم الإجابة إليه في دينهم ، فامتنعوا منه . فأخبر الله جل ثناؤه عنهم بردّتهم وتكذيبهم بما في كتابهم وجحودهم ، ما قد أخذ عليهم عهودهم ومواثيقهم بإقامته والعمل به ، فلن يعدوا أن يكونوا في تكذيبهم محمدا وما جاء به من الحقّ مثلُهم في تكذيبهم موسى وما جاء به ، وهم يتولونه ويقرّون به .
ومعنى قوله : { ثُمّ يَتَوَلّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ } ثم يستدبر عن كتاب الله الذي دعا إلى حكمه معرضا عنه منصرفا ، وهو بحقيقته وحجته عالم .
وإنما قلنا إن ذلك الكتاب هو التوراة ، لأنهم كانوا بالقرآن مكذّبين وبالتوراة بزعمهم مصدّقين ، فكانت الحجة عليهم بتكذيبهم بما هم به في زعمهم مقرّون أبلغ وللعذر أقطع .
{ ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب } أي التوراة أو جنس الكتب السماوية ، ومن للتبعيض أو للبيان . وتنكير النصيب يحتمل التعظيم والتحقير . { يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم } الداعي محمد عليه الصلاة والسلام وكتاب الله القرآن ، أو التوراة لما روي ( أنه عليه الصلاة والسلام دخل مدراسهم فقال له نعيم بن عمرو والحارث بن زيد على أي دين أنت ؟ فقال : على دين إبراهيم . فقالا : إن إبراهيم كان يهوديا فقال : هلموا إلى التوراة فإنها بيننا وبينكم . فأبيا فنزلت ) . وقيل نزلت في الرجم . وقرئ ليحكم على البناء للمفعول فيكون الاختلاف فيما بينهم ، وفيه دليل على أن الأدلة السمعية حجة في الأصول . { ثم يتولى فريق منهم } استبعاد لتوليهم مع علمهم بأن الرجوع إليه واجب . { وهم معرضون } وهم قوم عادتهم الإعراض ، والجملة حال من فريق وإنما ساغ لتخصصه بالصفة .
قال ابن عباس : نزلت هذه الآية بسبب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل بيت المدراس{[3053]} على جماعة من يهود فدعاهم إلى الله فقال له نعيم بن عمرو والحارث بن زيد{[3054]} على أي دين أنت يا محمد ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أنا على ملة إبراهيم » فقالا : فإن إبراهيم كان يهودياً ، فقال لهما النبي عليه السلام : «فهلموا إلى التوراة فهي بيننا وبينكم » فأبيا عليه فنزلت ، وذكر النقاش : أنها نزلت لأن جماعة من اليهود أنكروا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم . فقال لهم النبي عليه السلام : «هلموا إلى التوراة ففيها صفتي »{[3055]} فأبوا .
قال القاضي أبو محمد : فالكتاب في قوله : { من الكتاب }{[3056]} هو اسم الجنس ، و { الكتاب } في قوله : { إلى كتاب الله } هو التوراة ، وقال قتادة وابن جريج : { الكتاب } في قوله { إلى كتاب الله } هو القرآن ، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوهم إليه فكانوا يعرضون ، ورجح الطبري القول الأول ، وقال مكي : الكتاب الأول اللوح المحفوظ والثاني التوراة ، وقرأ جمهور الناس «ليَحكم » بفتح الياء أي ليحكم الكتاب ، وقرأ الحسن وأبو جعفر وعاصم الجحدري «ليُحكم » بضم الياء وبناء الفعل للمفعول ، وخص الله تعالى بالتولي فريقاً دون الكل لأن منهم من لم يتول كابن سلام وغيره .
استئناف ابتدائي : للتعجيب من حالة اليهود في شدّة ضلالهم . فالاستفهام في قوله : { ألم تر } للتقرير والتعجيب ، وقد جاء الاستعمال في مثله أن يكون الاستفهام داخلاً على نفي الفعل والمراد حصولُ الإقرار بالفعل ليكون التقرير على نفيه محرّضاً للمخاطب على الاعتراف به بناء على أنّه لا يرضى أن يكون ممّن يجهله ، وقد تقدم عند قوله تعالى : { ألم تر إلى الذي حاجّ إبراهيم في ربّه } في سورة [ البقرة : 258 ] .
والرؤية بصرية بدليل تعديتها بحرف إلى : الذي يتعدى به فعل النظر ، وجوز صاحب الكشاف } في قوله تعالى : { ألم تر إلى الذي أوتوا نصيباً من الكتاب يشترون الضلالة } في سورة [ النساء : 44 ] : أن تكون الرؤية قلبية ، وتكون ( إلى ) داخلة على المفعول الأول لتأكيد اتّصال العِلم بالمعلوم وانتهائه المجازي إليه ، فتكون مثل قوله : { ألم تر إلى الذي حاجّ إبراهيم } [ البقرة : 258 ] .
وعُرف المتحدّث عنهم بطريق الموصولية دون لقبهم ، أعني اليهودَ : لأنّ في الصلة ما يزيد التعجيب من حالهم ؛ لأنّ كونهم على علم من الكتاب قليلٍ أو كثير من شأنه أن يصدّهم عمّا أخبر به عنهم . على ما في هذه الصلة أيضاً من توهين علمهم المزعوم .
والكتاب : التوراة فالتعريف للعهد ، وهو الظاهر ، وقيل : هو للجنس .
والمراد بالذين أوتوه هم اليهود ، وقيل : أريد النصارى ، أي أهل نجران .
والنصيب : القسط والحظّ وتقدم عند قوله تعالى : { أولئك لهم نصيب ممّا كسبوا } في سورة [ البقرة : 202 ] .
{ وتنكير نصيباً } للنوعية ، وليس للتعظيم ؛ لأنّ المقام مقام تهاون بهم ، ويحتمل أن يكون التنوين للتقليل .
و { من } للتبعيض ، كما هو الظاهر من لفظ النصيب ، فالمراد بالكتاب جنس الكتب ، والنصيب هو كتابُهم ، والمراد : أوتوا بعض كتابهم ، تعريضاً بأنّهم لا يعلمون من كتابهم إلاّ حظّاً يسيراً ، ويجوز كون مِن للبيان . والمعنى : أوتوا حظّاً من حظوظ الكمال ، هو الكتاب الذي أوتوه .
وجملة { يدعون إلى كتاب الله } في موضوع الحال لأنّها محل التعجيب ، وذلك باعتبار ضميمة ما عطف عليها ، وهو ، قوله : { ثم يتولى فريق منهم } لأنّ ذلك هو العجيب لا أصل دعوتهم إلى كتاب الله ، وإذا جعلت ( تَر ) قلبية فجملة يدعون في موضع المفعول الثاني وقد علمتَ بُعده .
و { كتاب الله } : القرآن كما في قوله : { نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب اللَّه وراء ظهورهم } [ البقرة : 101 ] . فهو غير الكتاب المراد في قوله : { من الكتاب } كما ينبىء به تغيير الأسلوب . والمعنى : يُدعون إلى اتّباع القرآن والنظرِ في معانيه ليحكم بينهم فيأبون . ويجوز أن يكون كتاب الله عين المراد من الكتاب ، وإنّما غير اللفظ تفنّناً وتنويهاً بالمدعوّ إليه ، أي يُدعون إلى كتابهم ليتأملوا منه ، فيعلموا تبشيره برسول يأتي من بعد ، وتلميحَه إلى صفاته .
روي ، في سبب نزول هذه الآية : أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مِدْراس اليهود فدعاهم إلى الإسلام ، فقال له نُعيم بن عمرو ، والحارث بن زَيد : على أيّ دين أنت قال : على ملة إبراهيم قالا : فإنّ إبراهيم كان يهودياً .
فقال لهما : إنّ بيننا وبينكم التوراة فهلموا إليها ، فأبيا .
وقوله : { ثم يتولى فريق منهم } ( ثم ) عاطفة جملة { يتولّى فريق منهم } على جملة { يدعون } فالمعطوفة هنا في حكم المفرد فدلت ( ثم ) على أنّ تولّيهم مستمر في أزمان كثيرة تبعد عن زمان الدعوة ، أي أنّهم لا يرعوون فهم يتولَّون ثم يتولّون ؛ لأنّ المرء قد يُعرض غضباً ، أو لِعِظَم المفاجأة بالأمر غيرِ المترقَّب ، ثم يثوب إليه رشده ، ويراجع نفسه ، فيرجع ، وقد علم أنّ تولّيهم إثر الدعوة دون تراخٍ حاصل بفحوى الخطاب .
فدخول { ثم } للدلالة على التراخي الرتبي ؛ لأنّهم قد يتولّون إثر الدعوة ، ولكن أريد التعجيب من حالهم كيف يتولّون بعد أن أوتُوا الكتاب ونقلوه ، فإذا دُعوا إلى كتابهم تولّوا . والإتيان بالمضارع في قوله : { يتولون } للدلالة على التجدّد كقول جعفر ابن عُلبة الحارثي :
ولا يكشف الغَمَّاء إلاّ ابن حرة *** يَرَى غَمَراتِ الموتِ ثُم يَزُورها
والتولّي مجاز عن النفور والإباء ، وأصله الإعراض والانصراف عن المكان .
وجملة { وهم معرضون } حال مؤكّدة لجملة { يتولّى فريق } إذ التولّي هو الإعراض ، ولما كانت حالاً لم تكن فيها دلالة على الدوام والثبات فكانت دالة على تجدّد الإعراض ، منهم المفاد أيضاً من المضارع في قوله : { ثم يتولى فريق منهم } .