لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبٗا مِّنَ ٱلۡكِتَٰبِ يُدۡعَوۡنَ إِلَىٰ كِتَٰبِ ٱللَّهِ لِيَحۡكُمَ بَيۡنَهُمۡ ثُمَّ يَتَوَلَّىٰ فَرِيقٞ مِّنۡهُمۡ وَهُم مُّعۡرِضُونَ} (23)

قوله عز وجل : { ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب } أنزلت في اليهود { يدعون إلى كتاب الله } يعني القرآن ، وذلك أن اليهود دعوا إلى حكم القرآن فأعرضوا عنه . قال ابن عباس : إن الله جعل القرآن حكماً فيما بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فحكم القرآن على اليهود والنصارى أنهم على غير الهدى فأعرضوا عنه . وروي عن ابن عباس أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل بيت المدارس على جماعة من اليهود فدعاهم إلى الله عز وجل ، فقال له نعيم بن عمرو والحارث بن زيد : على أي دين أنت يا محمد ؟ فقال : على ملة إبراهيم . قال : إن إبراهيم كان يهودياً ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هلموا إلى التوراة فهي بيننا وبينكم " ، فأبيا عليه فأنزل الله الآية . فعلى هذا القول يكون المراد بكتاب الله التوراة . وروي عنه أيضاً أن رجلاً وامرأة من أهل خيبر زنيا وكان في كتابهم الرجم فكرهوا رجمهما لشرفهما فيهم فرفعوا أمرهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجوا أن تكون عنده رخصة فحكم عليهما بالرجم . فقال النعمان بن أوفى وبحري بن عمرو : جرت عليهما يا محمد وليس عليهما الرجم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بيني وبينكم التوراة " فقالوا : قد أنصفت .

فقال من أعلمكم بالتوراة ؟ فقالوا رجل أعور يقال له عبد الله بن صوريا يسكن فدك ، فأرسلوا إليه فقدم المدينة وكان جبريل قد وصفه للنبي صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أأنت ابن صوريا ؟ قال : نعم ، قال : أنت أعلم اليهود بالتوراة . قال : كذلك يزعمون " فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتوراة وقال له : اقرأ فقرأ ، فلما أتى على آية الرجم وضع يده عليها وقرأ ما بعدها ، فقال عبد الله بن سلام : يا رسول الله قد جاوزها ثم قام ورفع كفه عنها وقرأها على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى اليهود وفيها : أن المحصن والمحصنة إذا زنيا وقامت عليهما البينة رجماً ، وإن كانت المرأة حبلى تربص بها حتى تضع ما في بطنها ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم باليهوديين فرجما فغضبت اليهود لذلك فأنزل الله عز وجل : { ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب } يعني علمهم الذي علموه من التوراة يدعون إلى كتاب الله يعني القرآن أو التوراة على اختلاف الروايتين { ليحكم بينهم } أي ليقضي بينهم وإضافة الحكم إلى الكتاب هو على سبيل المجاز { ثم يتولى فريق منهم } يعني الرؤساء والعلماء { وهم معرضون } يعني عن الحق وقيل الذين تولوا هم العلماء ، والذين أعرضوا هم الأتباع .