نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبٗا مِّنَ ٱلۡكِتَٰبِ يُدۡعَوۡنَ إِلَىٰ كِتَٰبِ ٱللَّهِ لِيَحۡكُمَ بَيۡنَهُمۡ ثُمَّ يَتَوَلَّىٰ فَرِيقٞ مِّنۡهُمۡ وَهُم مُّعۡرِضُونَ} (23)

ولما كان من المعلوم{[15810]} أن ثبات الأعمال وزكاءها إنما هو باتباع أمر الله سبحانه وتعالى وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم وأمر الذين ورثوا العلم{[15811]} عنه{[15812]} دل على ما أخبر به من الحبوط وعدم النصر بما يشاهد من أحوالهم في منابذة الدين فقال : { ألم تر } وكان الموضع لأن يقال : إليهم ، ولكنه قال : { إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب } ليدل على أن ضلالهم على علم ، وأن الذي{[15813]} أوتوه منه قراءتهم له بألسنتهم وادعاء الإيمان به{[15814]} . وقال الحرالي : كتابهم الخاص بهم نصيب من الكتاب الجامع ، وما أخذوا من كتابهم نصيب{[15815]} من اختصاصه ، فإنهم لو{[15816]} استوفوا حظهم منه لما عدلوا في الحكم عنه ولرضوا{[15817]} به ، وكان في هذا التعجيب أن يكون غيرهم يرضى بحكم كتابهم ثم لا يرضون هم به - انتهى .

( يدعون إلى كتاب الله } أظهر الاسم الشريف ولم يقل : إلى كتابهم ، احترازاً عما غيروا وبدلوا و{[15818]}لأنهم إنما دعوا إلى كتاب الله الذي أنزل على موسى عليه الصلاة والسلام ، لا إلى ما عساه أن يكون بأيديهم مما غيروا - نبه عليه الحرالي . وفيه أيضاً إشارة إلى عظيم اجترائهم بتوليهم عمن له الإحاطة الكاملة{[15819]} { ليحكم بينهم } قال الحرالي : في إشعاره أن طائفة منهم على حق منه ، أي وهم المذعنون لذلك الحكم الذي دعي إليه - انتهى .

ولما كان اتباعه واجباً واضحاً نفعه لمن جرد نفسه عن الهوى عبر عن مخالفته بأداة البعد فقال : { ثم } وقال الحرالي : في إمهاله ما يدل{[15820]} على تلددهم{[15821]} وتبلدهم في ذلك بما يوقعه{[15822]} الله من المقت والتحير على من دعي{[15823]} إلى حق فأباه ، وفي صيغة يتفعل{[15824]} في قوله : { يتولى } ما يناسب معنى ذلك في تكلف التولي{[15825]} على{[15826]} انجذاب من بواطنهم{[15827]} لما عرفوه وكتموه ، وصرح{[15828]} قوله : { فريق منهم } بما أفهمه ما تقدم من قوله : { ليحكم بينهم } فأفهم أن طائفة منهم {[15829]}ثابتون قائلون{[15830]} لحكم كتاب الله تعالى ، وأنبأ{[15831]} قوله المشير إلى كثرة أفراد هذا الفريق { وهم معرضون * } بما سلبوه من ذلك التردد والتكلف ، فصار وصفاً لهم بعد أن كان تعملاً{[15832]} ، ما أنكر منكر حقاً وهو يعلمه إلا سلبه{[15833]} الله تعالى علمه{[15834]} حتى يصير إنكاره له بصورة وبوصف من لم يكن قط علمه - انتهى .

وفي هذا تحذير لهذه الأمة من الوقوع في مثل ذلك ولو بأن يدعى أحدهم من حسن إلى أحسن منه - نبه عليه الحرالي وقال : إذ ليس المقصود حكاية ما مضى فقط ولا ما هو كائن فحسب ، بل خطاب القرآن قائم دائم ماض كلية خطابه في غابر{[15835]} اليوم المحمدي{[15836]} مع من يناسب أحوال من تقدم منهم ، وفي حق المرء مع نفسه في أوقات مختلفة - انتهى .


[15810]:ي ظ: العلوم.
[15811]:ن ظ ومد، وفي الأصل: الكتاب.
[15812]:قط من ظ ومد.
[15813]:ن مد، وفي الأصل وظ: الذين.
[15814]:زيد من ظ ومد.
[15815]:ي ظ ومد: نصب.
[15816]:قط من ظ.
[15817]:في ظ: لرعبوا.
[15818]:قط من ظ.
[15819]:قط من ظ.
[15820]:في ظ: يلد ـ كذا.
[15821]:ن مد، وفي الأصل وظ: تلذذهم.
[15822]:ي ظ: يوفقه، وفي مد: يوقفه.
[15823]:ي ظ: ادعى.
[15824]:ي ظ: يفتعل.
[15825]:من مد، وفي الأصل وظ: السوال.
[15826]:ي ظ: عن.
[15827]:ي ظ: تواطيهم.
[15828]:ي ظ ومد: خرج.
[15829]:ن ظ ومد، وفي الأصل: فاقلون ثابتون.
[15830]:من ظ ومد، وفي الأصل: فاقلون ثابتون.
[15831]:ي ظ: إنما.
[15832]:في ظ: نعما.
[15833]:من ظ ومد، وفي الأصل: سلبه.
[15834]:ي ظ: عليه.
[15835]:ن مد، وفي الأصل وظ: عابر.
[15836]:ي ظ: المحمد.