في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قَالُواْ يَٰمُوسَىٰٓ إِنَّ فِيهَا قَوۡمٗا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدۡخُلَهَا حَتَّىٰ يَخۡرُجُواْ مِنۡهَا فَإِن يَخۡرُجُواْ مِنۡهَا فَإِنَّا دَٰخِلُونَ} (22)

ولكن إسرائيل . ، هي إسرائيل ! ! ! الجبن . والتمحل . والنكوص على الأعقاب . ونقض الميثاق : ( قالوا : يا موسى إن فيها قوما جبارين ؛ وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها ، فإن يخرجوا منها فإنا داخلون ) . إن جبلة يهود لتبدو هنا على حقيقتها ، مكشوفة بلا حجاب ولو رقيق من التجمل . ذلك أنهم أمام الخطر ؛ فلا بقية إذن من تجمل ؛ ولا محاولة إذن للتشجع ، ولا مجال كذلك للتمحل . إن الخطر ماثل قريب ؛ ومن ثم لا يعصمهم منه حتى وعد الله لهم بأنهم أصحاب هذه الأرض ، وأن الله قد كتبها لهم - فهم يريدونه نصرا رخيصا ، لا ثمن له ، ولا جهد فيه . نصرا مريحا يتنزل عليهم تنزل المن والسلوى !

( إن فيها قوما جبارين . . وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها . . فإن يخرجوا منها فإنا داخلون ) . .

ولكن تكاليف النصر ليست هكذا كما تريدها يهود ! وهي فارغة القلوب من الإيمان !

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قَالُواْ يَٰمُوسَىٰٓ إِنَّ فِيهَا قَوۡمٗا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدۡخُلَهَا حَتَّىٰ يَخۡرُجُواْ مِنۡهَا فَإِن يَخۡرُجُواْ مِنۡهَا فَإِنَّا دَٰخِلُونَ} (22)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ قَالُوا يَامُوسَىَ إِنّ فِيهَا قَوْماً جَبّارِينَ وَإِنّا لَن نّدْخُلَهَا حَتّىَ يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنّا دَاخِلُونَ } . .

وهذا خبر من الله جلّ ثناؤه عن جواب قوم موسى عليه السلام ، إذا أمرهم بدخول الأرض المقدسة ، أنهم أبوا عليه إجابة إلى ما أمرهم به من ذلك ، واعتلّوا عليه في ذلك بأن قالوا : إن في الأرض المقدسة التي تأمرنا بدخولها قوما جبارين لا طاقة لنا بحربهم ولا قوّة لنا بهم . وسموهم جبارين ، لأنهم كانوا بشدّة بطشهم وعظيم خلقهم فيما ذُكر لنا قد قهروا سائر الأمم غيرهم . وأصل الجبار : المصلح أمر نفسه وأمر غيره ، ثم استعمل في كل من اجترّ نفعا إلى نفسه بحقّ أو باطل طلب الإصلاح لها حتى قيل للمتعدي إلى ما ليس له بغيا على الناس وقهرا لهم وعتوّا على ربه : جبار ، وإنما هو فعّال من قولهم : جبر فلان هذا الكسر إذا أصلحه ولأمه ، ومنه قول الراجز :

قَدْ جَبَرَ الدّينَ الإلَهُ فَجَبَرْ ***وعَوّرَ الرّحْمَنُ مَنْ وَلّى العَوَرْ

يريد : قد أصلح الدين الإله فصلح ومن أسماء الله تعالى ذكره الجبار ، لأنه المصلح أمر عباده القاهر لهم بقدرته . ومما ذكرته من عظم خلقهم ما :

حدثني به موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط عن السديّ في قصة ذكرها من أمر موسى وبني إسرائيل ، قال : ثم أمرهم بالسير إلى أريحاء ، وهي أرض بيت المقدس ، فساروا حتى إذا كانوا قريبا منهم ، بعث موسى اثني عشر نقيبا من جميع أسباط بني إسرائيل ، فساروا يريدون أن يأتوه بخبر الجبارين ، فلقيهم رجل من الجبارين ، يقال له : عوج ، فأخذ الاثني عشر فجعلهم في حجزته ، وعلى رأسه حملة حطب ، وانطلق بهم إلى امرأته ، فقال : انظري لي هؤلاء القوم الذين يزعمون أنهم يريدون أن يقاتلونا فطرحهم بين يديها ، فقال : ألا أطحنهم برجلي ؟ فقالت امرأته : لا ، بل خلّ عنهم حتى يخبروا قومهم بما رأوا ، ففعل ذلك .

حدثني عبد الكريم بن الهيثم ، قال : حدثنا إبراهيم بن بشار ، قال : حدثنا سفيان ، قال : قال أبو سعيد ، قال عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : أمِرَ موسى أن يدخل مدينة الجبارين ، قال : فسار موسى بمن معه حتى نزل قريبا من المدينة ، وهي أريحاء . فبعث إليهم اثني عشر عينا ، من كلّ سبط منهم عينا ، ليأتوه بخبر القوم . قال : فدخلوا المدينة ، فرأوا أمرا عظميا من هيئتهم وجثثهم وعظمهم ، فدخلوا حائطا لبعضهم ، فجاء صاحب الحائط ليجتني الثمار من حائطه ، فجعل يجتني الثمار وينظر إلى آثارهم وتتبعهم ، فكلما أصاب واحدا منهم أخذه ، فجعله في كمه مع الفاكهة . وذهب إلى ملكهم فنثرهم بين يديه ، فقال الملك : قد رأيتم شأننا وأمرنا ، اذهبوا فأخبروا صاحبكم قال : فرجعوا إلى موسى فأخبروه بما عاينوا من أمرهم .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة في قوله : إنّ فِيها قَوْما جَبّارِينَ ذكر لنا أنهم كانت لهم أجسام وخلق ليست لغيرهم .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، قال : إن موسى عليه السلام قال لقومه : إني سأبعث رجالاً يأتونني بخبرهم وإنه أخذ من كلّ سبط رجلاً ، فكانوا اثني عشر نقيبا ، فقال : سيروا إليهم وحدثوني حدثهم وما أمرهم ولا تخافوا إن الله معكم ما أقمتم الصلاة ، وآتيتم الزكاة ، وآمنتم برسله ، وعزّرتموهم ، وأقرضتم الله قرضا حسنا . ثم إن القوم ساروا حتى هجموا عليهم ، فرأوا أقواما لهم أجساما عجبٌ ، عظما وقوّة ، وأنه فيما ذكر أبصرهم أحد الجبارين ، وهم لا يألون أن يخفوا أنفسهم حين رأوا العجب ، فأخذ ذلك الجبار منهم رجالاً ، فأتى رئيسهم ، فألقاهم قدامه ، فعجبوا وضحكوا منهم ، فقال قائل منهم : إن هؤلاء زعموا أنهم أرادوا غزوكم ، وأنه لولا ما دفع الله عنهم لقتلوا . وإنهم رجعوا إلى موسى عليه السلام فحدثوه العجب .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : أْئنىْ عَشَرَ نَقِيبا من كلّ سبط من بني إسرائيل رجل أرسلهم موسى إلى الجبارين ، فوجدوهم يدخل في كمّ أحدهم اثنان منهم ، يلقونهم إلقاء ، ولا يحمل عنقود عنهم إلاّ خمسة أنفس بينهم في خشبة ، ويدخل في شطر الرمانة إذا نزع حبها خمسة أنفس أو أربعة .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حديفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، نحوه .

حدثني محمد بن الوزير بن قيس ، عن أبيه ، عن جويبر ، عن الضحاك : إنّ فِيها قَوْما جَبّارِينَ قال : سِفْلة لا خلاق لهم .

القول في تأويل قوله تعالى : إنّا لَنْ نَدْخُلَها حتى يَخْرُجُوا مِنْهافإنْ يَخْرُجُوا مِنْها فإنّا داخِلونَ .

وهذا خبر من الله عزّ ذكره عن قول قوم موسى لموسى جوابا لقوله لهم : ادْخُلُوا الأرْضَ المُقَدّسَة التي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ فقالوا : إنّا لَنْ نَدْخُلَها حتى يَخْرُجُوا مِنْها يعنون : من الأرض المقدسة الجبارون الذين فيها ، جبنا منهم وجزعا من قتالهم . وقالوا له : إن يخرج منها هؤلاء الجبارون دخلناها ، وإلاّ فإنا لا نطيق دخولها وهم فيها ، لأنه لا طاقة لنا بهم ولا يد .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، أن كالب بن يوفنا ، أسكت الشعب عن موسى صلى الله عليه وسلم ، فقال لهم : إنا سنعلو الأرض ونرثها ، وإن لنا بهم قوّة . وأما الذين كانوا معه ، فقالوا : لا نستطيع نصل إلى ذلك الشعب من أجل أنهم أجرأ منا . ثم إن أولئك الجواسيس أخبروا بني إسرائيل الخبر ، وقالوا : إنا مررونا في أرض وأحسسناها ، فإذا هي تأكل ساكنها ، ورأينا رجالها جساما ، ورأينا الجبابرة بني الجبابرة ، وكنا في أعينهم مثل الجراد . فأرجفت الجماعة من بني إسرائيل ، فرفعوا أصواتهم بالبكاء . فبكى الشعب تلك الليلة ، ووسوسوا على موسى وهارون ، فقالوا لهما : يا ليتنا متنا في أرض مصر ، وليتنا نموت في هذه البرية ولم يدخلنا الله هذه الأرض لنقع في الحرب ، فتكون نساؤنا وأبناؤنا وأثقالنا عنيمة ، ولو كنا قعودا في أرض مصر ، كان خيرا لنا وجعل الرجل يقول لأصحابه : تعالوا نجعل علينا رأسا وننصرف إلى مصر .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قَالُواْ يَٰمُوسَىٰٓ إِنَّ فِيهَا قَوۡمٗا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدۡخُلَهَا حَتَّىٰ يَخۡرُجُواْ مِنۡهَا فَإِن يَخۡرُجُواْ مِنۡهَا فَإِنَّا دَٰخِلُونَ} (22)

{ قالوا يا موسى إن فيها قوما جبارين } متغلبين لا تتأتى مقاومتهم ، والجبار فعال من جبره على الأمر بمعنى أجبره وهو الذي يجبر الناس على ما يريده . { وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون } إذ لا طاقة لنا بهم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قَالُواْ يَٰمُوسَىٰٓ إِنَّ فِيهَا قَوۡمٗا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدۡخُلَهَا حَتَّىٰ يَخۡرُجُواْ مِنۡهَا فَإِن يَخۡرُجُواْ مِنۡهَا فَإِنَّا دَٰخِلُونَ} (22)

ثم ذكر عز وجل عن بني إسرائيل أنهم تعنتوا ونكصوا فقالوا { إن فيها قوماً جبارين } . والجبار فعال من الجبر كأنه لقوته وغشمه وبطشه يجبر الناس على إرادته ، والنخلة الجبارة العالية التي لا تنال بيد ، وكان من خبر الجبارين أنهم كانوا أهل قوة فلما بعث «موسى » الأثني عشر نقيباً مطلعين على أمر الجبارين وأحوالهم رأوا لهم قوة وبطشاً وتخيلوا أن لا طاقة لهم بهم فجاؤوا بني إسرائيل ونقضوا العهد في أن أخبروهم بحال { الجبارين } حسبما قدمناه في ذكر بعث النقباء ، ولم يف منهم إلا يوشع بن نوف وكالب بن يوفنا ، ثم إن بني إسرائيل كعوا وجبنوا وقالوا : كوننا عبيداً للقبط أسهل من قتال هؤلاء ، وهَّم كثير منهم أن يقدموا رجلاً على أنفسهم ويصير بهم إلى أرض مصر مرتدين على الأعقاب ، ونسوا أن الله تعالى إذا أيد الضعيف ُغلب القوي وأخبروا «موسى » أنهم لن يدخلوا الأرض ما دام الجبارون فيها ، وطلبوا منه أن يخرج الله الجبارين بجند من عنده وحينئذ يدخل بنو إسرائيل .