في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{تَبَارَكَ ٱلَّذِي جَعَلَ فِي ٱلسَّمَآءِ بُرُوجٗا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَٰجٗا وَقَمَرٗا مُّنِيرٗا} (61)

45

ويرد على تطاولهم هذا بتمجيد الله سبحانه وتكبيره والتحدث ببركته وعظمته ، وعظمة خلقه ، وآياته المذكرة به في هذا الخلق العظيم .

( تبارك الذي جعل في السماء بروجا . وجعل فيها سراجا ، وقمرا منيرا . وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر ، أو أراد شكورا ) . .

والبروج - على الأرجح - منازل الكواكب السيارة ومداراتها الفلكية الهائلة . والفخامة هنا تقابل في الحس ذلك الاستخفاف في قولة المشركين : ( وما الرحمن )? فهذا شيء من خلقه ضخم هائل عظيم في الحس وفي الحقيقة ؛ وفي هذه البروج تنزل الشمس ويسميها( سراجا )لما تبعث به من ضوء إلى أرضنا وغيرها . وفيها القمر المنير الذي يبعث بنوره الهادى ء اللطيف .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{تَبَارَكَ ٱلَّذِي جَعَلَ فِي ٱلسَّمَآءِ بُرُوجٗا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَٰجٗا وَقَمَرٗا مُّنِيرٗا} (61)

القول في تأويل قوله تعالى : { تَبَارَكَ الّذِي جَعَلَ فِي السّمَآءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مّنِيراً } .

يقول تعالى ذكره : تقدّس الربّ الذي جعل في السماء بروجا ويعني بالبروج : القصور ، في قول بعضهم . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن العلاء ومحمد بن المثنى وسلم بن جنادة ، قالوا : حدثنا عبد الله بن إدريس ، قال : سمعت أبي ، عن عطية بن سعد ، في قوله تَبارَكَ الّذِي جَعَلَ فِي السّماءِ بُرُوجا قال : قصورا في السماء ، فيها الحرس .

حدثنا محمد بن المثنى ، قال : ثني أبو معاوية ، قال : ثني إسماعيل ، عن يحيى بن رافع ، في قوله تَبارَكَ الّذِي جَعَلَ فِي السّماءِ بُرُوجا قال : قصورا في السماء .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن عمرو ، عن منصور ، عن إبراهيم جَعَلَ فِي السّماء بُرُوجا قال : قصورا في السماء .

حدثني إسماعيل بن سيف ، قال : ثني عليّ بن مسهرٍ ، عن إسماعيل ، عن أبي صالح ، في قوله تَبارَكَ الّذِي جَعَلَ فِي السّماء بُرُوجا قال : قصورا في السماء فيها الحرس .

وقال آخرون : هي النجوم الكبار . ذكر من قال ذلك :

حدثني ابن المثنى ، قال : حدثنا يعلى بن عبيد ، قال : حدثنا إسماعيل ، عن أبي صالح تَبارَكَ الّذي جَعَلَ فِي السّماءِ بُرُوجا قال : النجوم الكبار .

قال : ثنا الضحاك ، عن مخلد ، عن عيسى بن ميمون ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : الكواكب .

حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قَتادة ، في قوله بُرُوجا قال : البروج : النجوم .

قال أبو جعفر : وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال : هي قصور في السماء ، لأن ذلك في كلام العرب وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيّدَةٍ وقول الأخطل :

كأنّهَا بُرْجُ رُوميّ يُشَيّدُهُ *** بانٍ بِحِصّ وآجُرَ وأحْجارِ

يعني بالبرج : القصر .

قوله : وَجَعَلَ فيها سِرَاجا اختلف القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة : وَجَعَلَ فِيها سرَاجا على التوحيد ، ووجهوا تأويل ذلك إلى أنه جعل فيها الشمس ، وهي السراج التي عني عندهم بقوله : وَجَعَلَ فِيها سراجا . كما :

حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قَتادة ، في قوله وَجَعَلَ فِيها سِرَاجا وَقَمَرا مُنِيرا قال : السراج : الشمس .

وقرأته عامة قرّاء الكوفيين : «وَجَعَلَ فِيها سُرُجا » على الجماع ، كأنهم وجهوا تأويله : وجعل فيها نجوما وقَمَرا مُنِيرا وجعلوا النجوم سُرُجا إذ كان يُهتدى بها .

والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال : إنهما قراءتان مشهورتان في قَرَأَةِ الأمصار ، لكل واحدة منهما وجه مفهوم ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب .

وقوله : وَقَمَرا مُنِيرا يعني بالمنير : المضيء .