في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَٱصۡبِرۡ لِحُكۡمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعۡ مِنۡهُمۡ ءَاثِمًا أَوۡ كَفُورٗا} (24)

23

هنا تجيء اللفتة الثانية :

( فاصبر لحكم ربك ، ولا تطع منهم آثما أو كفورا ) . .

إن الأمور مرهونة بقدر الله . وهو يمهل الباطل ، ويملي للشر ، ويطيل أمد المحنة على المؤمنين والابتلاء والتمحيص . . كل أولئك لحكمة يعلمها ، يجري بها قدره ، وينفذ بها حكمه . . ( فاصبر لحكم ربك ) . . حتى يجيء موعده المرسوم . . اصبر على الأذى والفتنة . واصبر على الباطل يغلب ، والشر يتنفج . ثم اصبر أكثر على ما أوتيته من الحق الذي نزل به القرآن عليك . اصبر ولا تستمع لما يعرضونه من المصالحة والالتقاء في منتصف الطريق على حساب العقيدة : ( ولا تطع منهم آثما أو كفورا ) . . فهم لا يدعونك إلى طاعة ولا إلى بر ولا إلى خير . فهم آثمون كفار . يدعونك إلى شيء من الإثم والكفر إذن حين يدعونك إلى الالتقاء بهم في منتصف الطريق ! وحين يعرضون عليك ما يظنونه يرضيك ويغريك ! وقد كانوا يدعونه باسم شهوة السلطان ، وباسم شهوة المال ، وباسم شهوة الجسد . فيعرضون عليه مناصب الرياسة فيهم والثراء ، حتى يكون أغنى من أغناهم ، كما يعرضون عليه الحسان الفاتنات ، حيث كان عتبة بن ربيعة يقول له : " ارجع عن هذا الأمر حتى أزوجك ابنتي ، فإني من أجمل قريش بنات ! " . . كل الشهوات التي يعرضها أصحاب الباطل لشراء الدعاة في كل أرض وفي كل جيل !

( فاصبر لحكم ربك ولا تطع منهم آثما أو كفورا ) . . فإنه لا لقاء بينك وبينهم ؛ ولا يمكن أن تقام قنطرة للعبور عليها فوق الهوة الواسعة التي تفصل منهجك عن منهجهم ، وتصورك للوجود كله عن تصورهم ، وحقك عن باطلهم ، وإيمانك عن كفرهم ، ونورك عن ظلماتهم ، ومعرفتك بالحق عن جاهليتهم !

اصبر ولو طال الأمد ، واشتدت الفتنة وقوي الإغراء ، وامتد الطريق . .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{فَٱصۡبِرۡ لِحُكۡمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعۡ مِنۡهُمۡ ءَاثِمًا أَوۡ كَفُورٗا} (24)

وقوله { ولا تطع منهم آثما } يعني عتبة بن ربيعة { أو كفورا } يعني الوليد بن المغيرة وذلك أنهما ضمنا للنبي ص المال والتزويج إن ترك دعوتهم إلى الإسلام

 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{فَٱصۡبِرۡ لِحُكۡمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعۡ مِنۡهُمۡ ءَاثِمًا أَوۡ كَفُورٗا} (24)

{ آثما أو كفورا } أو هنا للتنويع فالمعنى : لا تطع النوعين ، فاعلا للإثم ولا كفورا ، وقيل : هي بمعنى الواو أي : جامعا للوصفين لأن هذه هي حالة الكفار ، وروي : أن الآية نزلت في أبي جهل ، وقيل : أن الآثم عتبة بن ربيعة ، والكفور الوليد بن المغيرة ، والأحسن أنها على العموم ، لأن لفظها عام ، وإن كان سبب نزولها خاصا .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{فَٱصۡبِرۡ لِحُكۡمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعۡ مِنۡهُمۡ ءَاثِمًا أَوۡ كَفُورٗا} (24)

ولما تقرر أن من الناس من ترك الهدى الذي هو البيان ، فعمي عنه لإعراضه عنه{[70735]} ، سبب عن هذا الإنزال وذاك الضلال قوله منبهاً على أمراض القلوب ، ومرشداً إلى دوائها : { فاصبر لحكم ربك } أي المحسن إليك بتخصيصه{[70736]} لك بهذه النعمة على ضلال من حكم بضلاله ، وعلى كل ما ينوبك وأطعه-{[70737]} في التعبد له بجميع{[70738]} ما أمرك به من الرفق إلى أن يأمرك بالسيف ، واستعن على مر{[70739]} الصبر باستحضار أن المربي الشفيق يربي بما{[70740]} يشاء من المر والحلو على حسب علمه وحكمته ، والصبر : حبس النفس وضبطها على مقاومة الهوى لئلا تنقاد إلى شيء من قبائح اللذات .

ولما أمره سبحانه بالصبر ، وكان الأمر به مفهماً وجوده للمخالف ، وكان المخالفون له صلى الله عليه وسلم هم القسم المضاد للشاكر وهم الكفرة ، وكان ما يدعونه إليه تارة مطلق إثم ، وأخرى كفراً وتارة{[70741]} غير ذلك ، ذكر النتيجة ناهياً عن{[70742]} القسمين الأولين ليعلم أن المسكوت عنه لا نهي فيه فقال : { ولا تطع منهم } أي الكفرة الذين هم ضد الشاكرين { آثماً } أي داعياً إلى إثم سواء كان مجرداً عن مطلق الكفر أو مصاحباً له { أو كفوراً * } أي مبالغاً في الكفر وداعياً إليه وإن كان كبيراً وعظيماً في الدنيا فإن الحق أكبر من كل كبير ، وذلك أنهم كانوا مع شدة الأذى له صلى الله عليه وسلم يبذلون له الرغائب من الأموال ، والتمليك والتزويج لأعظم نسائهم على أن يتبعهم على دينهم ويكف عما هو{[70743]} عليه والنهي عن الأحد المبهم فهي عن كل منهما ، فإن كلاًّ منهما في أنه يجب اجتنابه في رتبة واحدة

{ وذروا ظاهر الإثم وباطنه }[ الأنعام : 120 ] وكذا الانتهاء عنه لا يتحقق إلا بالانتهاء عن كل منهما ، ولو عطف بالواو لم يفد ذلك لأن نفي الاثنين لا يستلزم نفي كل منهما ، وأفهم ترتيب النهي{[70744]} على الوصفين أنه إذا دعاه الكفار إلى ما لا يتعلق به{[70745]} إثم ولا كفر{[70746]} جاز له قبوله .


[70735]:زيد في الأصل: بسبب، ولم تكن الزيادة في ظ و م فحذفناها.
[70736]:من ظ و م، وفي الأصل: المخصص.
[70737]:زيد من ظ و م.
[70738]:من ظ و م، وفي الأصل: في جميع.
[70739]:من ظ و م، وفي الأصل: من.
[70740]:من ظ و م، وفي الأصل: ما..
[70741]:من ظ و م، وفي الأصل: أخرى.
[70742]:من ظ و م، وفي الأصل: على.
[70743]:من ظ و م، وفي الأصل: هم.
[70744]:من م، وفي الأصل و ظ: النفي.
[70745]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[70746]:سقط ما بين الرقمين من ظ.