في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَٱخۡتِلَٰفِ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ وَمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن رِّزۡقٖ فَأَحۡيَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَا وَتَصۡرِيفِ ٱلرِّيَٰحِ ءَايَٰتٞ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ} (5)

ثم ينتقل بهم من ذوات أنفسهم وحركة الأحياء حولهم ، إلى الظواهر الكونية ، وما ينشأ عنها من أسباب الحياة لهم وللأحياء جميعاً :

( واختلاف الليل والنهار ، وما أنزل الله من السماء من رزق فأحيا به الأرض بعد موتها ، وتصريف الرياح ، آيات لقوم يعقلون ) . .

واختلاف الليل والنهار ظاهرتان قد يُخلق جدتهما في نفوس البشر التكرار ! ولكن أية عجيبة تطالع الحس البشري وهو يواجه الليل أول مرة أو يواجه النهار ? إن القلب الشاعر المتفتح يرى هذه العجيبة دائماً ، وينتفض لها دائماً ؛ ويرى يد الله التي تدير الكون كله كلما رأى الليل والنهار .

وتنمو معارف البشر ، ويتسع علمهم عن بعض الظواهر الكونية ، ويعرفون أن الليل والنهار ظاهرتان تنشآن عن دورة الأرض حول محورها أمام الشمس مرة في كل أربع وعشرين ساعة . ولكن العجيبة لا تنقص شيئاً بهذه المعرفة . فإن دورة الأرض هذه عجيبة أخرى . دورة هذا الجرم حول نفسه بهذه السرعة المنتظمة ، وهو عائم في الهواء ، سابح في الفضاء ، غير مستند إلى شيء إلا إلى القدرة التي تمسك به وتديره كما شاءت بهذا النظام الذي لا يتخلف ، وبهذا القدر الذي يسمح للأحياء والأشياء أن تظل على سطح هذا الكوكب السابح السارح الدائر في الفضاء !

ويتوسع البشر في علمهم فيدركون أهمية هاتين الظاهرتين على سطح الأرض بالقياس إلى الحياة والأحياء ؛ ويعرفون أن تقسيم الأوقات بين الليل والنهار بهذه النسبة على سطح هذا الكوكب عامل رئيسي لوجود الحياة وبقاء الأحياء ؛ وأنه لو لم توجد هاتان الظاهرتان بهذا القدر وعلى هذا النظام لتغير كل شيء على هذه الأرض ، وبخاصة تلك الحياة الإنسانية التي تخص المخاطبين . من الأحياء ! ومن ثم تزداد هاتان الظاهرتان أهمية في الحس البشري ولا تنقصان !

( وما أنزل الله من السماء من رزق فأحيا به الأرض بعد موتها ) . .

والرزق قد يكون المقصود به هو الماء النازل من السماء . كما فهم منه القدماء . ولكن رزق السماء أوسع . فهذه الأشعة التي تنزل من السماء ليست أقل أثراً في إحياء الأرض من الماء . بل إنها لهي التي ينشأ عنها الماء بإذن الله . فحرارة الشمس هي التي تبخر الماء من البحار فتتكاثف وتنزل أمطاراً ، وتجري عيوناً وأنهاراً ؛ وتحيا بها الأرض بعد موتها . تحيا بالماء وتحيا بالحرارة والضياء سواء !

( وتصريف الرياح ) . .

وهي تمضي شمالاً وجنوباً ، وشرقاً وغرباً ، منحرفة ومستقيمة ، دافئة وباردة ، وفق النظام الدقيق المنسوق المقصود في تصميم هذا الكون العجيب ؛ وحساب كل شيء فيه حساباً دقيقاً لا يترك شيئاً للمصادفة العمياء . . ولتصريف الرياح علاقة معروفة بدورة الأرض ، وبظاهرتي الليل والنهار ، وبالرزق الذي ينزل من السماء . وكلها تتعاون في تحقيق مشيئة الله في خلق هذا الكون ، وتصريفه كما اراد . وفيها( آيات )معروضة في الكون . ولكن لمن ?

( لقوم يعقلون ) . .

فللعقل هنا عمل ، وله في هذا الميدان مجال .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{وَٱخۡتِلَٰفِ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ وَمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن رِّزۡقٖ فَأَحۡيَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَا وَتَصۡرِيفِ ٱلرِّيَٰحِ ءَايَٰتٞ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ} (5)

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَٱخۡتِلَٰفِ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ وَمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن رِّزۡقٖ فَأَحۡيَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَا وَتَصۡرِيفِ ٱلرِّيَٰحِ ءَايَٰتٞ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ} (5)

قوله تعالى : " إن في السماوات والأرض " أي في خلقهما " لآيات للمؤمنين ، وفي خلقكم وما يبث من دابة آيات لقوم يوقنون ، واختلاف الليل والنهار وما أنزل الله من السماء من رزق " يعني المطر . " فأحيا به الأرض بعد موتها وتصريف الرياح آيات لقوم يعقلون " تقدم جميعه مستوفى في " البقرة " وغيرها{[13771]} . وقراءة العامة وما يبث من دابة آيات " " وتصريف الرياح آيات " بالرفع فيهما . وقرأ حمزة والكسائي بكسر التاء فيهما . ولا خلاف في الأول أنه بالنصب على اسم " إن " وخبرها " في السموات " . ووجه الكسر في " آيات " الثاني العطف على ما عملت فيه ، التقدير : إن في خلقكم وما يبث من دابة آيات . فأما الثالث فقيل : إن وجه النصب فيه تكرير " آيات " لما طال الكلام ، كما تقول : ضرب زيدا زيدا . وقيل : إنه على الحمل على ما عملت فيه " إن " على تقدير حذف " في " . التقدير : وفي اختلاف الليل والنهار آيات . فحذفت " في " لتقدم ذكرها . وأنشد سيبويه في الحذف :

أكلَّ امرئٍ تحسبين امرَأً *** ونارٍ تَوَقَّدُ بالليل نَارَا{[13772]}

فحذف " كل " المضاف إلى نار المجرورة لتقدم ذكرها . وقيل : هو من باب العطف على عاملين . ولم يجزه سيبوبه ، وأجازه الأخفش وجماعة من الكوفيين ، فعطف " واختلاف " على قوله : ( وفي خلقكم ) ثم قال : ( وتصريف الرياح آيات ) فيحتاج إلى العطف على عاملين ، والعطف على عاملين قبيح من أجل أن حروف العطف تنوب مناب العامل ، فلم تقو أن تنوب مناب عاملين مختلفين ؛ إذ لو ناب مناب رافع وناصب لكان رافعا ناصبا في حال . وأما قراءة الرفع فحملا على موضع " إن " مع ما عملت فيه . وقد ألزم النحويون في ذلك أيضا العطف على عاملين ؛ لأنه عطف " واختلاف " على " وفي خلقكم " ، وعطف " آيات " على موضع " آيات " الأول ، ولكنه يقدر على تكرير " في " . ويجوز أن يرفع على القطع مما قبله فيرفع بالابتداء ، وما قبله خبره ، ويكون عطف جملة على جملة . وحكى الفراء رفع " واختلاف " و " آيات " جميعا ، وجعل الاختلاف هو الآيات .


[13771]:راجع ج 2 ص 191 وما بعدها. و ج 14 ص 58.
[13772]:البيت لأبي دؤاد الأيادي.

 
تفسير الجلالين للمحلي والسيوطي - تفسير الجلالين [إخفاء]  
{وَٱخۡتِلَٰفِ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ وَمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن رِّزۡقٖ فَأَحۡيَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَا وَتَصۡرِيفِ ٱلرِّيَٰحِ ءَايَٰتٞ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ} (5)

{ واختلاف الليل والنهار وما أنزل الله من السماء من رزق فأحيا به الأرض بعد موتها وتصريف الرياح آيات لقوم يعقلون }

{ و } في { اختلاف الليل والنهار } ذهابهما ومجيئهما { وما أنزل الله من السماء من رزق } مطر ؛ لأنه سبب الرزق { فأحيا به الأرض بعد موتها وتصريف الرياح } تقليبها مرة جنوباً ومرة شمالاً وباردة وحارة { آيات لقوم يعقلون } الدليل فيؤمنون .