في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب  
{وَكَذَٰلِكَ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ رُوحٗا مِّنۡ أَمۡرِنَاۚ مَا كُنتَ تَدۡرِي مَا ٱلۡكِتَٰبُ وَلَا ٱلۡإِيمَٰنُ وَلَٰكِن جَعَلۡنَٰهُ نُورٗا نَّهۡدِي بِهِۦ مَن نَّشَآءُ مِنۡ عِبَادِنَاۚ وَإِنَّكَ لَتَهۡدِيٓ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ} (52)

( وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان . ولكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء من عبادنا . وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم . صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض . ألا إلى الله تصير الأمور ) .

( وكذلك ) . بمثل هذه الطريقة ، وبمثل هذا الاتصال . ( أوحينا إليك ) . . فالوحي تم بالطريقة المعهودة ، ولم يكن أمرك بدعا . أوحينا إليك ( روحاً من أمرنا ) . . فيه حياة ، يبث الحياة ويدفعها ويحركها وينميها في القلوب وفي الواقع العملي المشهود . ( ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ) . . هكذا يصور نفس رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وهو أعلم بها ، قبل أن تتلقى هذا الوحي . وقد سمع رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] عن الكتاب وسمع عن الإيمان ، وكان معروفاً في الجزيرة العربية أن هناك أهل كتاب فيمن معهم ، وأن لهم عقيدة ، فليس هذا هو المقصود . إنما المقصود هو اشتمال القلب على هذه الحقيقة والشعور بها والتأثر بوجودها في الضمير . وهذا ما لم يكن قبل هذا الروح من أمر الله الذي لابس قلب محمد - عليه صلوات الله .

( ولكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء ) . . وهذه طبيعته الخالصة . طبيعة هذا الوحي . هذا الروح . هذا الكتاب . إنه نور . نور تخالط بشاشته القلوب التي يشاء لها الله أن تهتدي به ، بما يعلمه من حقيقتها ، ومن مخالطة هذا النور لها .

( وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم ) . . وهناك توكيد على تخصيص هذه المسألة ، مسألة الهدى ، بمشيئة الله سبحانه ، وتجريدها من كل ملابسة ، وتعليقها بالله وحده يقدرها لمن يشاء بعلمه الخاص ، الذي لا يعرفه سواه ؛ والرسول [ صلى الله عليه وسلم ] واسطة لتحقيق مشيئة الله ، فهو لا ينشى ء الهدى في القلوب ؛ ولكن يبلغ الرسالة ، فتقع مشيئة الله .