تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{لَّا تَجِدُ قَوۡمٗا يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ يُوَآدُّونَ مَنۡ حَآدَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَلَوۡ كَانُوٓاْ ءَابَآءَهُمۡ أَوۡ أَبۡنَآءَهُمۡ أَوۡ إِخۡوَٰنَهُمۡ أَوۡ عَشِيرَتَهُمۡۚ أُوْلَـٰٓئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلۡإِيمَٰنَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٖ مِّنۡهُۖ وَيُدۡخِلُهُمۡ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَاۚ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنۡهُمۡ وَرَضُواْ عَنۡهُۚ أُوْلَـٰٓئِكَ حِزۡبُ ٱللَّهِۚ أَلَآ إِنَّ حِزۡبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ} (22)

{ 22 } { لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ { وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } .

يقول تعالى : { لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ } أي : لا يجتمع هذا وهذا ، فلا يكون العبد مؤمنا بالله واليوم الآخر حقيقة ، إلا كان عاملا على مقتضى الإيمان{[1022]}  ولوازمه ، من محبة من قام بالإيمان وموالاته ، وبغض من لم يقم به ومعاداته ، ولو كان أقرب الناس إليه .

وهذا هو الإيمان على الحقيقة ، الذي وجدت ثمرته والمقصود منه ، وأهل هذا الوصف هم الذين كتب الله في قلوبهم الإيمان أي : رسمه وثبته وغرسه غرسا ، لا يتزلزل ، ولا تؤثر فيه الشبه والشكوك .

وهم الذين قواهم الله بروح منه أي : بوحيه ، ومعونته ، ومدده الإلهي وإحسانه الرباني .

وهم الذين لهم الحياة الطيبة في هذه الدار ، ولهم جنات النعيم في دار القرار ، التي فيها من كل ما تشتهيه الأنفس ، وتلذ الأعين ، وتختار ، ولهم أكبر النعيم وأفضله ، وهو أن الله يحل عليهم رضوانه فلا يسخط عليهم أبدا ، ويرضون عن ربهم بما يعطيهم من أنواع الكرامات ، ووافر المثوبات ، وجزيل الهبات ، ورفيع الدرجات بحيث لا يرون فوق ما أعطاهم مولاهم غاية ، ولا فوقه نهاية{[1023]} .

وأما من يزعم أنه يؤمن بالله واليوم الآخر ، وهو مع ذلك مواد لأعداء الله ، محب لمن ترك الإيمان{[1024]}  وراء ظهره ، فإن هذا إيمان زعمي لا حقيقة له ، فإن كل أمر لا بد له من برهان يصدقه ، فمجرد الدعوى ، لا تفيد شيئا ولا يصدق صاحبها .

ختام السورة:

تم تفسير قد سمع الله ، بحمد الله وعونه وتسديده .

والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على محمد وسلم تسليما


[1022]:- في ب: إيمانه.
[1023]:- في ب: ولا وراءه.
[1024]:- في ب: لمن نبذ.
 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{لَّا تَجِدُ قَوۡمٗا يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ يُوَآدُّونَ مَنۡ حَآدَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَلَوۡ كَانُوٓاْ ءَابَآءَهُمۡ أَوۡ أَبۡنَآءَهُمۡ أَوۡ إِخۡوَٰنَهُمۡ أَوۡ عَشِيرَتَهُمۡۚ أُوْلَـٰٓئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلۡإِيمَٰنَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٖ مِّنۡهُۖ وَيُدۡخِلُهُمۡ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَاۚ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنۡهُمۡ وَرَضُواْ عَنۡهُۚ أُوْلَـٰٓئِكَ حِزۡبُ ٱللَّهِۚ أَلَآ إِنَّ حِزۡبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ} (22)

قوله : { لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الأخر يوادون من حاد الله ورسوله } يعني لا تجد قوما مؤمنين بالله مقرين بيوم القيامة يوادون الكافرين الذين يشاقون الله ورسوله ويصدون عن دين الحق ولو كان المحادون المشاقون آباء المؤمنين أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم . ما ينبغي للمؤمن الصادق الذي يخشى الله أن يوالي الكافرين والظالمين الذين يعادون الله ورسوله ويسعون في الأرض بالباطل فيصدون الناس عن منهج الله ويفتنون المسلمين عن دينهم ليضلوهم ضلال . ما ينبغي لمسلم صادق العقيدة والإيمان أن يتّبع خصوم الإسلام على اختلاف مللهم وأديانهم فيمالئهم ضد المسلمين ولو كان هؤلاء المشاقون أقرب الأقربين للمسلم . إنما يوالي المسلم إخوانه في الدين والعقيدة . عقيدة الحق والتوحيد والفضيلة ، عقيدة الإسلام .

ولئن كان هذا التنديد الشديد بالذين يوالون أعداء الله وهم أولو قرابة في النسب منهم ، فكيف بمن يوالي أعداء الله الكافرين وهم عنه غرباء في النسب والأصل والجنس فضلا عن غرابة الدين ، كمن يوالي الصليبيين من النصارى أو الصهيونيين من اليهود أو الوثنيين من المشركين وغيرهم من الملحدين ، فيسارونهم مسارة ويوادونهم موادة ويمالئونهم على المسلمين ، كأولئك الجواسيس الخائنين الذين يحملون للكافرين في الظلام أخبار المسلمين وأسرارهم ، من أجل أجر ممتهن نجس ، دراهم معدودة ، أولئك نفر ممتهن مستقذر من سقط الأوباش ، لا جرم أنهم قد خانوا الله ورسوله والمسلمين . فهم في الأذلين الأخسرين في الدنيا والآخرة .

قوله : { أولئك كتب في قلوبهم الإيمان } اسم الإشارة عائد إلى المؤمنين الذين يتصفون بأنهم لا يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا أقرب الأقربين إليهم كالآباء والأبناء والإخوان والعشيرة ، فأولئك ممن أثبت الله في قلوبهم الإيمان وجعله مستقرا في صدورهم ، فهم مؤمنون صادقون قد أخلصوا دينهم لله ، { وأيّدهم بروح منه } أي قواهم ونصرهم بفيض رحمته ونوره ، { ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها } وهذا جزاؤهم في الآخرة ، أن لهم جنات النعيم بظلها الناعم الوارف الظليل ، ومائها العذب السائح الجاري ، مقيمين فيها آبدين ماكثين لا يبرحون ، { رضي الله عنهم ورضوا عنه } أي تقبّل الله منهم أعمالهم وسعدوا أكمل السعادة بما أعطوه في الآخرة من النعيم المقيم{[4493]} .

قوله : { أولئك حزب الله } هؤلاء المؤمنون الصادقون الذين لا يوادون غير المؤمنين ، هم جند الله وأولياؤه وأنصاره ، قوله : { ألا إن حزب الله هم المفلحون } هؤلاء المؤمنون الصادقون هم الفائزون السعداء المنصورون في الدنيا والآخرة . جعلنا الله منهم .


[4493]:تفسير الطبري جـ 28 ص 18 وتفسير ابن كثير جـ 4 ص 329.