فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{لَّا تَجِدُ قَوۡمٗا يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ يُوَآدُّونَ مَنۡ حَآدَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَلَوۡ كَانُوٓاْ ءَابَآءَهُمۡ أَوۡ أَبۡنَآءَهُمۡ أَوۡ إِخۡوَٰنَهُمۡ أَوۡ عَشِيرَتَهُمۡۚ أُوْلَـٰٓئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلۡإِيمَٰنَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٖ مِّنۡهُۖ وَيُدۡخِلُهُمۡ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَاۚ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنۡهُمۡ وَرَضُواْ عَنۡهُۚ أُوْلَـٰٓئِكَ حِزۡبُ ٱللَّهِۚ أَلَآ إِنَّ حِزۡبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ} (22)

{ لاَّ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بالله واليوم الآخر يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ الله وَرَسُولَهُ } الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو لكل من يصلح له : أي يحبون ويوالون من عادى الله ورسوله وشاقهما ، وجملة : { يُوَادُّونَ } في محل نصب على أنها المفعول الثاني لتجد إن كان متعدّياً إلى مفعولين ، أو في محل نصب على الحال إن كان متعدّياً إلى مفعول واحد ، أو صفة أخرى ل { قوماً } : أي جامعون بين الإيمان والموادّة لمن حادّ الله ورسوله { وَلَوْ كَانُواْ ءابَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إخوانهم أَوْ عَشِيرَتَهُمْ } أي ولو كان المحادّون لله ورسوله آباء الموادّين الخ ، فإن الإيمان يزجر عن ذلك ، ويمنع منه ، ورعايته أقوى من رعاية الأبوّة والبنوّة والأخوّة والعشيرة { أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإيمَان } يعني : الذين لا يوادّون من حادّ الله ورسوله ، ومعنى { كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإيمَان } خلقه ، وقيل : أثبته ، وقيل : جعله ، وقيل : جمعه ، والمعاني متقاربة { وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مّنْهُ } أي قوّاهم بنصر منه على عدوّهم في الدنيا ، وسمى نصره لهم روحاً لأن به يحيا أمرهم ، وقيل : هو نور القلب .

وقال الربيع بن أنس : بالقرآن والحجة ، وقيل : بجبريل ، وقيل : بالإيمان ، وقيل : برحمة . قرأ الجمهور : { كَتَبَ } مبنياً للفاعل ونصب { الإِيمانَ } على المفعولية . وقرأ زرّ بن حبيش والمفضل عن عاصم على البناء للمفعول ورفع الإيمان على النيابة . وقرأ زرّ بن حبيش : ( عشيراتهم ) بالجمع ، ورويت هذه القراءة عن عاصم { وَيُدْخِلُهُمْ جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار خالدين فِيهَا } على الأبد { رَّضِيَ الله عَنْهُمْ } أي قبل أعمالهم وأفاض عليهم آثار رحمته العاجلة والآجلة { وَرَضُواْ عَنْهُ } أي فرحوا بما أعطاهم عاجلاً وآجلاً { أُوْلَئِكَ حِزْبُ الله } أي جنده الذين يمتثلون أوامره ويقاتلون أعداءه وينصرون أولياءه ، وفي إضافتهم إلى الله سبحانه تشريف لهم عظيم وتكريم فخيم { أَلاَ إِنَّ حِزْبَ الله هُمُ المفلحون } أي الفائزون بسعادة الدنيا والآخرة ، الكاملون في الفلاح الذين صار فلاحهم هو الفرد الكامل ، حتى كان فلاح غيرهم بالنسبة إلى فلاحهم كلا فلاح .

/خ22