تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{لَّا تَجِدُ قَوۡمٗا يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ يُوَآدُّونَ مَنۡ حَآدَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَلَوۡ كَانُوٓاْ ءَابَآءَهُمۡ أَوۡ أَبۡنَآءَهُمۡ أَوۡ إِخۡوَٰنَهُمۡ أَوۡ عَشِيرَتَهُمۡۚ أُوْلَـٰٓئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلۡإِيمَٰنَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٖ مِّنۡهُۖ وَيُدۡخِلُهُمۡ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَاۚ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنۡهُمۡ وَرَضُواْ عَنۡهُۚ أُوْلَـٰٓئِكَ حِزۡبُ ٱللَّهِۚ أَلَآ إِنَّ حِزۡبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ} (22)

الآية 22 وقوله تعالى : { لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله } الآية : قال عامة أهل التأويل : نزلت في حاطب بن أبي بلتعة لأنه كان كتب إلى أهل مكة أن رسول الله ، يقصد إليكم ، فخذوا حذركم ، وكان له بمكة أهل ، فأراد أن يكون له عندهم يد ، فشعر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ما حملك على هذا ؟ فقال ما ذكرنا ، فنزلت الآية . فإذا كان نزولها فيه على ما ذكروا فهي في براءته من وجهين :

أحدهما : أنه لم يرجع عن الإيمان والتصديق لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه لا يعود إلى مثله بعد ذلك أبدا .

والثاني : أنه لم يقصد بصنيعه موادّتهم ، ولكن قصد إلقاء المودة إليهم ليقع عندهم أنه وادّهم ، وهو في الحقيقة يلقي المودة ، وقد يكون ذلك كقوله تعالى : { تلقون إليهم بالمودة }[ الممتحنة : 1 ] والله أعلم . وإن كانت الآية في غير حاطب فهي بالمؤمنين الذين حققوا الإيمان بالله تعالى ، وثبتوا عليه ، لأن أهل الإيمان كانوا أصنافا ثلاثة :

صنف محققون الإيمان مظهرون القتال مع أعدائهم ، وصنف منهم ، لا يقدرون على إظهار ذلك والمناصبة معهم ، ولكن يتبعون الأقوياء منهم ، والصنف الثالث{[20859]} مترددون ، يوادون الكفرة في السر ، ويظهرون الموافقة للمؤمنين .

فجائز أن يكون قوله تعالى : { لا تجد قوما يؤمنون بالله } أي الذين يحققون الإيمان بالله تعالى { واليوم الآخر يوادون من حادّ الله ورسوله } ولكن إنما يوادون من لم يحقق الإيمان ، فيكون فيه إخبار عن إثبات الإيمان في قلوبهم كقوله تعالى : { أولئك كتب في قلوبهم الإيمان } [ المجادلة : 22 ] أي أثبت في قلوبهم الإيمان ، فلا يرجعون عنه .

وفيه أن الإيمان ، موضعه القلب .

وفي حرف ابن مسعود رضي الله عنه : ما كان للقوم يؤمنون بالله واليوم الآخر أن يوادوا من حاد الله .

وقوله تعالى : { وأيدهم بروح منه } قيل : أيدهم بنور الإيمان الذي أثبت في قلوبهم . وأخبر عز وجل أنه أثبت المؤمنين على الإيمان ، فقال : { يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت }[ إبراهيم : 27 ] وقال : { ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت }[ إبراهيم : 24 ] .

وقيل : { وأيدهم بروح منه } أي برحمة منه .

ثم وصف حالهم وثوابهم في الآخرة ، فقال : { ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله } أي جند الله على ما ذكرنا أنهم يأتمرون بأمره ، ويقاتلون أعداءه ، ويوالون أولياءه ، فهم جند الله .

وقوله تعالى : { ألا إن حزب الله هم المفلحون } قيل : هم الناجون ، وقيل : الباقون في نعم الله تعالى [ والله أعلم بالصواب ]{[20860]}


[20859]:من م، في الأصل: الثاني.
[20860]:من م، ساقطة من الأصل.