ثم ختم - سبحانه - السورة الكريمة بهذه الآية الجامعة لصفات المؤمنين الصادقين فقال : { لاَّ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بالله واليوم الآخر يُوَآدُّونَ مَنْ حَآدَّ الله وَرَسُولَهُ } .
وقوله : { يُوَآدُّونَ } من الموادة بمعنى حصول المودة والمحبة .
أي : لا تجد - أيها الرسول الكريم - قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر حق الإيمان ، يوالون ويحبون من حارب دين الله - تعالى - وأعرض عن هدي رسوله .
والمقصود من هذه الآي الكريمة النهى عن موالاة المنافقين وأشبهاهم ، وإنما جاءت بصيغة الخبر ، لأنه أقوى وآكد فى التنفير عن موالاة أعداء الله ، إذ الإتيان بصيغة الخبر تشعر بأن القوم قد امتثلوا لهذا النهي ، وأن الله - سبحانه - قد أخبر عنهم بذلك .
وافتتحت الآية بقوله : { لاَّ تَجِدُ قَوْماً } لأن هذا الافتتاح يثير شوق السامع لمعرفة هؤلاء القوم .
وقوله : { وَلَوْ كانوا آبَآءَهُمْ } تصريح بوجوب ترك هذه الموادة لمن حارب الله ورسوله ، مهما كانت درجة قرابة هذا المحارب .
أي : من شأن المؤمنين الصادقين أن يبتعدوا عن موالاة أعداء الله ورسوله ، ولو كاهن هؤلاء الأعداء{ آبَآءَهُمْ } الذين أتوا إلى الحياة عن طريقهم ، { أَوْ أَبْنَآءَهُمْ } الذين هم قطعة منهم . { أَوْ إِخْوَانَهُمْ } الذين تربطهم بهم رابطة الدم { أَوْ عَشِيرَتَهُمْ } التي ينتسبون إليها ، وذلك لأن قضية الإيمان يجب أن تقدم كل شىء .
وقدم الآباء لأنهم أول من تجب طاعتهم ، وثنى بالأبناء لأنهم ألصق الناس بهم ، وثلث بالإخوان لأنهم الناصرون لهم ، وختم بالعشيرة لأن التناصر بها يأتى فى نهاية المطاف .
ثم أثنى - سبحانه - على هؤلاء المؤمنين الصادقين الذين لم يوالوا أعداء الله مهما بلغت درجة قرابتهم فقال : { أولئك كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإيمان } .
أي : أولئك الذين لا يوادون أعداء الله مهما كانوا ، هم الذين كتب الله - تعالى - الإيمان فى قلوبهم ، فاختلط بها واختلطت به ، فصارت قلوبهم لا تحب إلا من أحب دين الله ، ولا تبغض إلا من أبغضه .
{ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِّنْهُ } أي : وثبتهم وقواهم بنور من عنده - سبحانه - فصاروا بسبب ذلك أشداء على الكفار ، رحماء بينهم .
{ وَيُدْخِلُهُمْ } - سبحانه - يوم القيامة { جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار خَالِدِينَ فِيهَا } خلوداً أبديا ، { رَضِيَ الله عَنْهُمْ } بسبب طاعتهم له ، { وَرَضُواْ عَنْهُ } بسبب ثوابه لهم .
{ أولئك } الموصوفون بذلك { حِزْبُ الله } الذى يشرف من ينتسب إليه .
{ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ الله هُمُ المفلحون } فلاحا ونجاحا ليس بعدهما فلاح أو نجاح .
وقد ذكروا روايات متعددة فى سبب نزول هذه الآية الكريمة ، منها : أنها نزلت فى أبى عبيدة عامر بن الجراح ، فقد قتل أباه - وكان كافرا - فى غزوة بدر .
والآية الكريمة تصدق على أبى عبيدة وغيره ممن حاربوا أباءهم وأبناءهم وإخوانهم وعشيرتهم ، عندما استحب هؤلاء الآباء والأبناء الكفر على الإيمان .
وقد أخذ العلماء من هذه الآية الكريمة ، وجوب عدم موالاة الكفار والفساق والمنافقين والمجاهرين بارتكاب المعاصى . . . مهما بلغت درجة قرابتهم ، ومهما كانت منزلتهم .
ومن دعاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " اللهم لا تجعل لفاجر ولا لفاسق عندى يدا ولا نعمة " .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.