الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{لَّا تَجِدُ قَوۡمٗا يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ يُوَآدُّونَ مَنۡ حَآدَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَلَوۡ كَانُوٓاْ ءَابَآءَهُمۡ أَوۡ أَبۡنَآءَهُمۡ أَوۡ إِخۡوَٰنَهُمۡ أَوۡ عَشِيرَتَهُمۡۚ أُوْلَـٰٓئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلۡإِيمَٰنَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٖ مِّنۡهُۖ وَيُدۡخِلُهُمۡ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَاۚ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنۡهُمۡ وَرَضُواْ عَنۡهُۚ أُوْلَـٰٓئِكَ حِزۡبُ ٱللَّهِۚ أَلَآ إِنَّ حِزۡبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ} (22)

{ لاَّ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ } الآية نزلت في حاطب بن أبي بلتعة حين كتب إلى أهل مكة . وسنذكر القصة في سورة الامتحان إن شاء الله .

وقال السدّي : " نزلت في عبد الله بن عبد الله بن أُبي ، وذلك أنّه كان جالساً إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم فشرب رسول الله ( عليه السلام ) الماء ، فقال عبد الله : يا رسول الله ، أبقِ فضلة من شرابك . قال : " وما تصنع بها " ؟ قال : أسقيها أبي لعلّ الله يطهّر قلبه .

ففعل فأتى بها أباه ، فقال : ما هذا ؟ قال من شراب رسول الله ( عليه السلام ) جئتك بها لتشربها لعلّ الله سبحانه وتعالى يطهّر قلبك . فقال أبوه : هلاّ جئتني ببول أُمّك . فرجع إلى النبي ( عليه السلام ) ، فقال : يا رسول الله ، ائذن لي في قتل أبي . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( بل ترفّق به وتحسّن إليه ) " .

وقال ابن جريح : " حدّثت أنّ أبا قحافة سبّ النبي صلى الله عليه وسلم فصكّه أبو بكر صكّة سقط منها ، ثم ذكر ذلك للنبيّ ( عليه السلام ) فقال : " أوَفعلته ؟ " . فقال : نعم . قال : " فلا تعد إليه " " .

فقال أبو بكر رضي الله عنه : والله لو كان السيف منّي قريباً لقتلته ، فأنزل الله سبحانه هذه الآية : { يُوَآدُّونَ مَنْ حَآدَّ اللَّهَ } .

وروى مقاتل بن حيّان ، عن مرّة الهمذاني ، عن عبد الله بن مسعود في هذه الآية : { وَلَوْ كَانُواْ آبَآءَهُمْ } يعني أبا عبيدة بن الجراح قتل أباه عبد الله بن الجراح يوم أحد " { أَوْ أَبْنَآءَهُمْ } يعني أبا بكر دعا ابنه يوم بدر إلى البراز ، وقال : يا رسول الله : دعني أكرّ في الرعلة الأولى . فقال له رسول الله : " متّعنا بنفسك يا أبا بكر ، أما تعلم أنّك عندي بمنزلة سمعي وبصري ؟ " " .

{ أَوْ إِخْوَانَهُمْ } يعني مصعب بن عمير قتل أخاه عبيد بن عمير يوم أحد ، { أَوْ عَشِيرَتَهُمْ } يعني عمر قتل خاله العاص بن هشام بن المغيرة يوم بدر ، وعليّاً وحمزة وعبيدة قتلوا عتبة وشيبة ابني ربيعة والوليد بن عتبة يوم بدر . { أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ } قراءة العامّة بفتح الكاف والنون ،

وروى المفضّل عن عاصم بضمّهما على المجهول ، والأوّل أجود ؛ لقوله : { وَأَيَّدَهُمْ } و{ وَنُدْخِلُهُمْ }[ النساء : 57 ] .

قال الربيع بن أنس : يعني أثبت الإيمان في قلوبهم فهي موقنة مخلصة .

وقيل : معناه كتب في قلوبهم الإيمان ، كقوله :{ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ } [ طه : 71 ] .

وقيل : حكم لهم بالإيمان فذكر القلوب لأنّها موضعه .

{ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِّنْهُ } : وقوّاهم بنصر منه ، قاله الحسن ،

وقال السدّي : يعني بالإيمان . ربيع ، بالقرآن وحجّته ، نظيره :{ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا } [ الشورى : 52 ] . ابن جرير : بنور وبرهان وهدى . وقيل : برحمة . وقيل : أمدّهم بجبريل ( عليه السلام ) . { وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } ، أخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا عبد الله بن يوسف قال : حدّثنا محمّد بن حمدان بن سفيان قال : حدّثنا محمّد بن يزيد بن عبد الله بن سلمان قال : حدّثنا المرداس أبو بلال قال : حدّثنا إسماعيل ، عن سعد بن سعيد الجرجاني ، عن بعض مشيخته قال : قال داود ( عليه السلام ) : " إلهي ، من حزبك وحول عرشك ؟ " .

فأوحى الله سبحانه إليه : " يا داود ، الغاضّة أبصارهم ، النقيّة قلوبهم ، السليمة أكفّهم ، أولئك حزبي وحول عرشي " .