تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أَوَلَمَّآ أَصَٰبَتۡكُم مُّصِيبَةٞ قَدۡ أَصَبۡتُم مِّثۡلَيۡهَا قُلۡتُمۡ أَنَّىٰ هَٰذَاۖ قُلۡ هُوَ مِنۡ عِندِ أَنفُسِكُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (165)

{ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ *وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ * وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ * الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ }

هذا تسلية من الله تعالى لعباده المؤمنين ، حين أصابهم ما أصابهم يوم " أحد " وقتل منهم نحو سبعين ، فقال الله : إنكم { قد أصبتم } من المشركين { مثليها } يوم بدر فقتلتم سبعين من كبارهم وأسرتم سبعين ، فليهن الأمر ولتخف المصيبة عليكم ، مع أنكم لا تستوون أنتم وهم ، فإن قتلاكم في الجنة وقتلاهم في النار .

{ قلتم أنى هذا } أي : من أين أصابنا ما أصابنا وهزمنا ؟ { قل هو من عند أنفسكم } حين تنازعتم وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون ، فعودوا على أنفسكم باللوم ، واحذروا من الأسباب المردية .

{ إن الله على كل شيء قدير } فإياكم وسوء الظن بالله ، فإنه قادر على نصركم ، ولكن له أتم الحكمة في ابتلائكم ومصيبتكم . { ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض }

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{أَوَلَمَّآ أَصَٰبَتۡكُم مُّصِيبَةٞ قَدۡ أَصَبۡتُم مِّثۡلَيۡهَا قُلۡتُمۡ أَنَّىٰ هَٰذَاۖ قُلۡ هُوَ مِنۡ عِندِ أَنفُسِكُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (165)

عُطف الاستفهام الإنكاري التعجيبي على ما تقدّم ، فإنّ قولهم : { أنى هذا } ممَّا ينكر وَيَتَعجَّب السامع من صدوره منهم بعد ما عَلِموا ما أتَوا من أسباب المصيبة ، إذ لا ينبغي أن يخفى على ذي فطْنَةٍ ، وقد جاء موقع هذا الاستفهام بعد ما تكرّر : من تسجيل تبعة الهزيمة عليهم بما ارتكبوا من عصيان أمر الرسول ، ومن العجلة إلى الغنيمة ، وبعد أن أمرهم بالرضا بما وقع ، وَذكَّرَهم النصر الواقع يوم بدر ، عطف على ذلك هنا إنكارُ تعجّبهم من إصابة الهزيمة إيّاهم .

( ولَمَّا ) اسم زمان مضمّن معنى الشرط فيدلّ على وجود جوابه لوُجود شرطه ، وهو ملازم الإضافة إلى جملة شرطه ، فالمعنى : قلتم لمَّا أصابتكم مصيبة : أنَّى هذا .

وجملة { قد أصبتم مثليها } صفة « لمصيبة » ، ومعنى أصبتم غَلبتم العدوّ ونلتم منه مِثْلَيْ ما أصابكم به ، يقال : أصاب إذا غلب ، وأصيب إذا غُلِب ، قال قَطَرِيُّ بنُ الفُجَاءةَ :

ثم انصرفت وقد أصَبْتُ ولم أُصَب *** جَذَعَ البصيرة قارِحَ الإقدام

والمراد بمثليها المساويان في الجنس أو القيمة باعتبار جهة المماثلة أي : أنَّكم قد نلتم مثلي ما أصابكم ، والمماثلة هنا مماثلة في القدر والقيمة ، لا في الجنس ، فإنّ رزايا الحرب أجناس : قَتل ، وأسر ، وغَنيمة ، وأسلاب ، فالمسلمون أصابهم يوم أحُد القتل : إذ قُتِل منهم سبعون ، وكانوا قد قَتَلوا من المشركين يومَ بدر سبعين ، فهذا أحد المثلين ، ثم إنّهم أصابوا من المشركين أسرى يوم بدر فذلك مثل آخر في المقدار إذ الأسير كالقتيل ، أو أريد أنّهم يومَ أحُد أصابوا قتلَى إلاّ أنّ عددهم أقلّ فهو مثل في الجنس لا في المقدار والقيمة .

و ( أنّى ) استفهام بمعنى من أين قصدوا به التعجّب والإنكار ، وجملة { قلتم أنى هذا } جواب ( لمّا ) ، والاستفهام بأنَّى هنا مستعمل في التعجّب .

ثم ذُيّل الإنكار والتعجّب بقوله : { قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شيء قدير } أي إنّ الله قدير على نصركم وعلى خذلانكم ، فلمّا عصيتم وجررتم لأنفسكم الغضب قدّر الله لكم الخِذلان .