تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أَتَّخَذۡنَٰهُمۡ سِخۡرِيًّا أَمۡ زَاغَتۡ عَنۡهُمُ ٱلۡأَبۡصَٰرُ} (63)

{ أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمْ الْأَبْصَارُ } أي : عدم رؤيتنا لهم دائر بين أمرين : إما أننا غالطون في عدنا إياهم من الأشرار ، بل هم من الأخيار ، وإنما كلامنا لهم من باب السخرية والاستهزاء بهم ، وهذا هو الواقع ، كما قال تعالى لأهل النار : { إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ *فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ }

والأمر الثاني : أنهم لعلهم زاغت أبصارنا عن رؤيتهم معنا في العذاب ، وإلا فهم معنا معذبون ولكن تجاوزتهم أبصارنا ، فيحتمل أن هذا الذي في قلوبهم ، فتكون العقائد التي اعتقدوها في الدنيا ، وكثرة ما حكموا لأهل الإيمان بالنار ، تمكنت من قلوبهم ، وصارت صبغة لها ، فدخلوا النار وهم بهذه الحالة ، فقالوا ما قالوا .

ويحتمل أن كلامهم هذا كلام تمويه ، كما موهوا في الدنيا ، موهوا حتى في النار ، ولهذا يقول أهل الأعراف لأهل النار : { أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ }

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{أَتَّخَذۡنَٰهُمۡ سِخۡرِيًّا أَمۡ زَاغَتۡ عَنۡهُمُ ٱلۡأَبۡصَٰرُ} (63)

قرأ نافع وابن كثير وابن عامر وعاصم { أَتَّخَذْناهُم } بهمزة قطع هي همزة الاستفهام ، وحذفت همزة الوصل من فعل ( اتخذنا ) لأنها لا تثبت مع همزة الاستفهام لعدم صحة الوقف على همزة الاستفهام ، فجملة { أتخذناهم } بدل من جملة { ما لنا لا نرى رِجالاً } . و { أم } حرف إضراب ، والتقدير : بل زاغت عنهم أبصارنا .

والزيغ : الميل عن الجهة ، أي مالت أبصارنا عن جهتهم فلم تنظرهم .

و ( أل ) في { الأبْصَارُ } عوض عن المضاف إليه ، أي أبصارنا ، فيكون المعنى : أكان تحقيرنا إياهم في الدنيا خطأ . وكنّى عنه باتخاذهم سخرياً لأن في فعل { أتخذناهم } إيماء إلى أنهم ليسوا بأهل للسخرية ، وهذا تندم منهم على الاستسخار بهم .

وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي ويعقوب وخلف { أتخَذْناهُم } بهمزة وصل على أن الجملة صفة { رِجَالاً } ثانية وعليه تكون { أم منقطعة للإِضراب عن قولهم اتخذناهم سِخرياً } أي بل زاغت عنهم الأبصار .

والسخريَّ : اسم مصدر سَخِر منه ، إذا استهزأ به ، فالسخريُّ الاستهزاء ، وهو دال على شدة الاستهزاء لأن ياءَه في الأصل ياء نسب وياء النسب تأتي للمبالغة في الوصف . وقرأ نافع وحمزة والكسائي وأبو جعفر وخلف بضم السين . وقرأه الباقون بكسر السين كما تقدم في سورة المؤمنين .