وأما خطابه للمؤمنين عندما أمرهم بمعاملة الكافرين ، فقال : وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ أي : شرك وصد عن سبيل اللّه ، ويذعنوا لأحكام الإسلام ، وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فهذا المقصود من القتال والجهاد لأعداء الدين ، أن يدفع شرهم عن الدين ، وأن يذب عن دين اللّه الذي خلق الخلق له ، حتى يكون هو العالي على سائر الأديان .
فَإِنِ انْتَهَوْا عن ما هم عليه من الظلم فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ لا تخفى عليه منهم خافية .
عطف على جملة { إن الذين كفروا ينفقون أموالَهم } [ الأنفال : 36 ] الآية ، ويجوز أن تكون عطفاً على جملة { فقد مضتْ سنة الأولين } [ الأنفال : 38 ] فتكون مما يدخل في حكم جَواب الشرط . والتقدير : فإن يعودوا فقاتلوهم ، كقوله : { وإن عدتم عدنا } [ الإسراء : 8 ] وقوله { وإن توليتم فاعلموا أنكم غير معجزي الله } [ التوبة : 3 ] والضمير عائِد إلى مشركي مكة .
والفتنة اضطراب أمر الناس ومَرَجهم ، وقد تقدم بيانها غير مرة ، منها عند قوله تعالى : { إنما نحن فتنةٌ فلا تكفر } في سورة [ البقرة : 102 ] وقوله : { وحسبوا أن لا تكون فتنة } في سورة [ العقود : 71 ] .
والمراد هنا أن لا تكون فتنة من المشركين لأنه لما جُعل انتفاء والفتنة غاية لقتالهم ، وكان قتالهم مقصوداً منه إعدامُهم أوْ إسلامهم ، وبأحَد هذين يكون انتفاء الفتنة ، فنتج من ذلك أن الفتنة المرادَ نفيُها كانت حاصلة منهم وهي فتنتهم المسلمين لا محالة ، لأنهم إنما يفتِنون مَن خالفهم في الدين فإذا أسلموا حصل انتفاء فتنتهم وإذا أعدمهم الله فكذلك .
وهذه الآية دالة على ما ذهب إليه جمهور علماء الأمة من أن قتال المشركين واجب حتى يسلموا ، وأنهم لا تقبل منهم الجزية ، ولذلك قال الله تعالى هنا : { حتى لا تكون فتنة } وقال في الآية الأخرى { قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يُعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون } [ التوبة : 29 ] .
وهي أيضاً دالة على ما رآه المحققون من مؤرخينا : من أن قتال المسلمين المشركين إنما كان أوله دفاعاً لأذى المشركين ضعفاء المسلمين ، والتضييققِ عليهم حيثما حلوا ، فتلك الفتنة التي أشار إليها القرآن ولذلك قال في الآية الأخرى : { واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل } [ البقرة : 191 ] .
والتعريف في { الدين } للجنس وتقدم الكلام على نظيرها في سورة البقرة ، إلاّ أن هذه الآية زيد فيها اسم التأكيد وهو { كله } وذلك لأن هذه الآية أسبق نزولاً من آية البقرة فاحتيج فيها إلى تأكيد مفاد صيغة اختصاص جنس الدين بأنه لله تعالى ، لئلا يتوهم الاقتناع بإسلام غالب المشركين فلما تقرر معنى العموم وصار نصاً من هذه الآية عُدل عن إعادته في آية البقرة تطلباً للإيجاز .
وقوله : { فإن الله بما يعملون بصير } أي عليم كناية عن حسن مجازاته إياهم لأن القادر على نفع أوليائه ومطيعيه لا يحُول بينه وبين إِيصال النفع إليهم الإخفاء حال من يُخلص إليه ، فلما أخبروا بأن الله مطلع على انتهائهم عن الكفر إن انتهوا عنه وكان ذلك لا يظن خلافه علم أن المقصود لازم ذلك .
وقرأ الجمهور : { يعلمون } بياء الغائب وقرأه رُوَيْس عن يعقوب بتاء الخطاب .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.