تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَٱلۡمُرۡسَلَٰتِ عُرۡفٗا} (1)

مقدمة السورة:

تفسير سورة المرسلات وهي مكية

{ 1 - 15 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا * فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا * فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا * عُذْرًا أَوْ نُذْرًا * إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ * فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ * وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ * وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ * وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ * لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ * لِيَوْمِ الْفَصْلِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ }

أقسم تعالى على البعث والجزاء بالأعمال{[1320]} ، بالمرسلات عرفا ، وهي الملائكة التي يرسلها الله تعالى بشئونه القدرية وتدبير العالم ، وبشئونه الشرعية ووحيه إلى رسله .

و { عُرْفًا } حال من المرسلات أي : أرسلت بالعرف والحكمة والمصلحة ، لا بالنكر والعبث .


[1320]:- في ب: على الأعمال.
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَٱلۡمُرۡسَلَٰتِ عُرۡفٗا} (1)

مقدمة السورة:

تفسير سورة المرسلات{[1]}

بسم الله الرحمن الرحيم سورة المرسلات وهي مكية في قول جمهور المفسرين وحكى النقاش انه قيل إن فيها من المدني قوله ‘ وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون{[2]} ‘ المرسلات 48 على قول من قال إنها حكاية عن حال المنافقين في القيامة وإنها بمعنى قوله تعالى ‘ يدعون الى السجود فلا يستطيعون{[3]} ‘ القلم 42 وقال ابن مسعود نزلت هذه السورة ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بحراء الحديث بطوله{[4]}

قال كثير من المفسرين : { المرسلات } ، الرسل إلى الناس من الأنبياء كأنه قال : والجماعات المرسلات ، وقال أبو صالح ومقاتل وابن مسعود : { المرسلات } الملائكة المرسلة بالوحي ، وبالتعاقب على العباد طرفي النهار ، وقال ابن مسعود أيضاً وابن عباس ومجاهد وقتادة : { المرسلات } ، الرياح ، وقال الحسن بن أبي الحسن : { المرسلات } السحاب و { عرفاً } معناه على القول الأول { عرفاً } من الله وإفضالاً{[11541]} على عباده ببعثه الرسل .

ومنه قول الشاعر : [ الحطيئة ] : [ البسيط ]

من يفعل الخير لا يعدمْ جوازيَهُ*** لا يذهب العرف بين الله والناس{[11542]}

ويحتمل أني ريد بقوله { عرفاً } أي متتابعة على التشبيه بتتابع عرف الفرس وأعراف الجبال ونحو ذلك ، والعرب تقول : الناس إلى فلان عرف واحد إذا توجهوا إليه ، ويحتمل أن يريد بالعرف أي بالحق ، والأمر بالمعروف ، وهذه الأقوال في عرف تتجه في قول من قال في { المرسلات } إنها الملائكة ، ومن قال إن { المرسلات } الرياح اتجه في العرف القول الأول على تخصيص الرياح التي هي نعمة وبها الأرزاق والنجاة في البحر وغير ذلك مما لا فقه فيه .


[1]:- أي فيمن نزلت، أفي المؤمنين جميعا أم في مؤمني أهل الكتاب؟
[2]:- ولم يكن الله ليمتن على رسوله بإيتائه فاتحة الكتاب وهو بمكة، ثم ينزلها بالمدينة، ولا يسعنا القول بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام بمكة بضع عشرة سنة يصلي بلا فاتحة الكتاب، هذا ما لا تقبله العقول، قاله الواحدي. وقوله تعالى: (ولقد آتيناك...) هو من الآية رقم (87) من سورة الحجر.
[3]:- أخرجه الإمام مالك في الموطأ المشهور بلفظ: (السبع المثاني القرآن العظيم الذي أعطيته) والترمذي وغيرهما، وخرج ذلك أيضا الإمام البخاري وغيره، عن أبي سعيد ابن المعلى في أول كتاب التفسير، وفي أول كتاب الفضائل بلفظ: (السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته). والسبع الطوال هي: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، والأنفال، فقوله: والسبع الطوال إلخ. رد على من يقول: إنما السبع المثاني.
[4]:- هو أبو هاشم المكي الليثي، وردت الرواية عنه في حروف القرآن، يروي عن أبيه ابن عمر.
[11541]:الإفضال: الإحسان، يقال: أفضل الرجل على فلان بمعنى: أناله من فضله وأحسن إليه. (لسان العرب).
[11542]:البيت للحطيئة، وهو في ديوانه، وفي اللسان، وهو من الأبيات المشهورة في قيمة المعروف وأثره بين الناس، قال ابن جني: "ظاهر هذا أن تكون (جوازيه) جمع جاز، أي: لا يعدم جزاء عليه، وجاز أن يجمع جزاء على جواز لمشابهة اسم الفاعل للمصدر، فكما جمع سيل على سوائل كذلك يجوز أن يكون جوازيه جمع جزاء". والعرف: المعروف، وهو خلاف المنكر أو ما يستحسن من الأفعال، وفي الحديث الشريف: (أهل المعارف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة).
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَٱلۡمُرۡسَلَٰتِ عُرۡفٗا} (1)

مقدمة السورة:

لم ترد لها تسمية صريحة عن النبي صلى الله عليه وسلم بأن يضاف لفظ سورة إلى جملتها الأولى .

وسميت في عهد الصحابة سورة { والمرسلات عرفا } ففي حديث عبد الله بن مسعود في الصحيحين بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غار بمنى إذ نزلت عليه سورة والمرسلات عرفا فإنه ليتلوها وإني لأتلقاها من فيه وإن فاه لرطب بها إذ خرجت علينا حية الحديث .

وفي الصحيح عن ابن عباس قال قرأت سورة والمرسلات عرفا فسمعتني أم الفضل امرأة العباس فبكت وقالت : بني أذكرتني بقرائتك هذه السورة أنها لآخر ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها في صلاة المغرب .

وسميت { سورة المرسلات } ، روى أبو داود عن ابن مسعود كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ النظائر السورتين في ركعة الرحمن والنجم في ركعة ، واقتربت والحاقة في ركعة ثم قال وعم يتساءلون والمرسلات في ركعة فجعل هذه الألفاظ بدلا من قوله السورتين وسماها المرسلات لأن الواو التي في كلامه واو العطف مثل أخواتها في كلامه .

واشتهرت في المصاحف باسم { المرسلات } وكذلك في التفاسير وفي صحيح البخاري .

وذكر الخفاجي وسعد الله الشهير بسعدي في حاشيتيهما على البيضاوي أنها تسمى { سورة العرف } ولم يسنداه ، ولم يذكرها صاحب الإتقان في عداد السور ذات أكثر من اسم .

وفي الإتقان عن كتاب ابن الضريس عن ابن عباس في عد السور التي نزلت بمكة فذكرها باسم { المرسلات } . وفيه عن دلائل النبوة للبيهقي عن عكرمة والحسن في عد السور التي نزلت بمكة فذكرها باسم { المرسلات } .

وهي مكية عند جمهور المفسرين من السلف ، وذلك ظاهر حديث ابن مسعود المذكور آنفا ، وهو يقتضي أنها من أوائل سور القرآن نزولا لأنها نزلت والنبي صلى الله عليه وسلم مختف في غار بمنى مع بعض أصحابه .

وعن ابن عباس وقتادة : أن آية { وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون } مدنية نزلت في المنافقين ، ومحمل ذلك أنه تأويل ممن رواه عنه نظرا إلى أن الكفار الصرحاء لا يؤمرن بالصلاة ، وليس في ذلك حجة لكون الآية مدنية فإن الضمير في قوله { وإذا قيل لهم } وارد على طريقة الضمائر قبله وكلها عائدة إلى الكفار وهم المشركون . ومعنى { قيل لهم اركعوا } : كناية عن أن يقال لهم أسلموا . ونظيره قوله تعالى { وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون } فهي في المشركين وقوله { قالوا لم نك من المصلين } إلى قوله { وكنا نكذب بيوم الدين } .

وعن مقاتل نزلت { وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون } في شأن وفد ثقيف حين أسلموا بعد غزوة هوازن وأتوا المدينة فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : لا نجبي فإنها مسبة علينا . فقال لهم : لا خير في دين ليس فيه ركوع وسجود .

وهذا أيضا أضعف ، وإذا صح ذلك فإنما أراد مقاتل أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ عليهم الآية .

وهي السورة الثالثة والثلاثون في عداد ترتيب نزول السور عند جابر بن زيد .

وأتفق العادون على عد آيها خمسين .

أغراضها

اشتملت على الاستدلال على وقوع البعث عقب فناء الدنيا ووصف بعض أشراط ذلك .

والاستدلال على إمكان إعادة الخلق بما سبق من خلق الإنسان وخلق الأرض .

ووعد منكريه بعذاب الآخرة ووصف أهواله .

والتعريض بعذاب لهم في الدنيا كما استؤصلت أمم مكذبة من قبل . ومقابلة ذلك بجزاء الكرامة للمؤمنين .

وإعادة الدعوة إلى الإسلام والتصديق بالقرآن لظهور دلائله .

1

فأما { المرسلات } فإذا جعل وصفاً للملائكة كان المعنيُّ بهم المرسلين إلى الرسل والأنبياء مثل جبريل في إرساله بالوحي ، وغيره من الملائكة الذين يبعثهم الله إلى بعض أنبيائه بتعليم أو خبر أو نصر كما في قوله تعالى عن زكرياء : { فنادَتْه الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب } الآية [ آل عمران : 39 ] ، أو { المرسلات } بتنفيذ أمر الله في العذاب مثل المرسلين إلى قوم لوط ، و { عُرْفاً } حال مفيدة معنى التشبيه البليغ ، أي مثل عرف الفرس في تتابع الشعر بعضه ببعض ، يقال : هم كعرف الضبع ، إذا تألبوا ، ويقال : جاءوا عرفاً واحداً . وهو صالح لوصف الملائكة ولوصف الريح .

وفسر { عُرفاً } بأنه اسمٌ ، أي الشعرَ الذي على رقبة الفرس ونصبه على الحال على طريقة التشبيه البليغ ، أي كالعُرف في تتابع البعض لبعض ، وفسر بأنه مصدر بمعنى المفعول ، أي معرُوف ( ضد المنكَر ) ، وأن نصبه على المفعول لأجله ، أي لأجل الإِرشاد والصلاح .