{ وَمِنْهُمْ } أي : من أهل الكتاب { أُمِّيُّونَ } أي : عوام ، ليسوا من أهل العلم ، { لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ } أي : ليس لهم حظ من كتاب الله إلا التلاوة فقط ، وليس عندهم خبر بما عند الأولين الذين يعلمون حق المعرفة حالهم ، وهؤلاء إنما معهم ظنون وتقاليد لأهل العلم منهم .
فذكر في هذه الآيات علماءهم ، وعوامهم ، ومنافقيهم ، ومن لم ينافق منهم ، فالعلماء منهم متمسكون بما هم عليه من الضلال ، والعوام مقلدون لهم ، لا بصيرة عندهم فلا مطمع لكم في الطائفتين .
{ وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ } ( 78 )
و { أميون } هنا عبارة عن جهلة بالتوراة ، قال أبو العالية ومجاهد وغيرهما : المعنى ومن هؤلاء اليهود المذكورين ، فالآية منبهة على عامتهم وأتباعهم ، أي إنهم ممن لا يطمع في إيمانهم لما غمرهم من الضلال ، وقيل : المراد هنا بالأميين قوم ذهب كتابهم لذنوب ركبوها فبقوا أميين ، وقال عكرمة والضحاك : هم في الآية نصارى العرب ، وقيل عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه إنه قال : هم المجوس . والضمير في { منهم } على هذه الأقوال هو للكفار أجمعين ، قال القاضي أبو محمد رحمه الله : وقول أبي العالية ومجاهد وجه( {[838]} ) هذه الأقوال ، وقرأ أبو حيوة وابن أبي عبلة «أميون » بتخفيف الميم ، والأمي في اللغة الذي لا يكتب ولا يقرأ في كتاب ، نسب إلى الأم : إما لأنه بحَال أمه من عدم الكتاب لا بحال أبيه ، إذ النساء ليس من شغلهن الكتاب ، قاله الطبري ، وإما لأنه بحال ولدته أمه فيها لم ينتقل عنها ، وقيل نسب إلى الأمة وهي القامة والخلقة ، كأنه ليس له من الآدميين إلا ذلك ، وقيل نسب إلى الأمة على سذاجتها قبل أن تعرف المعارف ، فإنها لا تقرأ لا تكتب ، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم في العرب : «إنا أمة أميّة لا نحسب ولا نكتب »( {[839]} ) ، والحديث : والألف واللام في { الكتاب } للعهد ، ويعني به التوراة في قول أبي العالية ومجاهد . والأماني جمع أمنية ، وقرأ أبو جعفر وشيبة( {[840]} ) ونافع في بعض ما روي عنه «أماني » بتخفيف الياء( {[841]} ) ، وأصل أمنية أمنوية على وزن أفعولة( {[842]} ) ، ويجمع هذا الوزن على أفاعل ، وعلى هذا يجب تخفيف الياء ، ويجمع على أفاعيل فعلى هذا يجيء أمانيي أدغمت الياء في الياء فجاء «أماني » .
واختلف في معنى { أماني } ، فقالت طائفة : هي هنا من تمني الرجل إذا ترجى( {[843]} ) ، فمعناه أن منهم من لا يكتب ولا يقرأ وإنما يقول بظنه شيئاً سمعه ، فيتمنى أنه من الكتاب ، وقال آخرون : هي من تمنى إذا تلا ، ومنه قوله تعالى { إلا إذا ألقى الشيطان في أمنيته }( {[844]} ) [ الحج : 52 ] ومنه قول الشاعر [ كعب بن مالك ] : [ الطويل ]
تمنى كتاب الله أول ليله . . . وآخرة لاقى حمام المقادِرِ( {[845]} )
فمعنى الآية أنهم لا يعلمون الكتاب إلا سماع شيء يتلى لا علم لهم بصحته ، وقال الطبري : هي من تمنى الرجل إذا حدث بحديث مختلق كذب ، وذكر أهل اللغة أن العرب تقول تمنى الرجل إذا كذب واختلق الحديث ، ومنه قول عثمان رضي الله عنه( {[846]} ) : «ما تمنيت ولا تغنيت منذ أسلمت » .
فمعنى الآية أن منهم أميين لا يعلمون الكتاب إلا أنهم يسمعون من الأحبار أشياء مختلقة يظنونها من الكتاب ، وإن نافية بمعنى ما ، والظن هنا على بابه في الميل( {[847]} ) إلى أحد الجائزين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.