تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَقَالُوٓاْ ءَأَٰلِهَتُنَا خَيۡرٌ أَمۡ هُوَۚ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلَۢاۚ بَلۡ هُمۡ قَوۡمٌ خَصِمُونَ} (58)

{ وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ } يعني : عيسى ، حيث نهي عن عبادة الجميع ، وشورك بينهم بالوعيد على من عبدهم ، ونزل أيضا قوله تعالى : { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ }

ووجه حجتهم الظالمة ، أنهم قالوا : قد تقرر عندنا وعندك يا محمد ، أن عيسى من عباد الله المقربين ، الذين لهم العاقبة الحسنة ، فلم سويت بينه وبينها في النهي عن عبادة الجميع ؟ فلولا أن حجتك باطلة لم تتناقض .

ولم قلت : { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ } وهذا اللفظ بزعمهم ، يعم الأصنام ، وعيسى ، فهل هذا إلا تناقض ؟ وتناقض الحجة دليل على بطلانها ، هذا أنهى ما يقررون به هذه الشبهة [ الذي ]{[778]} فرحوا بها واستبشروا ، وجعلوا يصدون ويتباشرون .

وهي -وللّه الحمد- من أضعف الشبه وأبطلها ، فإن تسوية الله بين النهي عن عبادة المسيح ، وبين النهي عن عبادة الأصنام ، لأن العبادة حق للّه تعالى ، لا يستحقها أحد من الخلق ، لا الملائكة المقربون ، ولا الأنبياء المرسلون ، ولا من سواهم من الخلق ، فأي شبهة في تسوية النهي عن عبادة عيسى وغيره ؟


[778]:- في النسختين (الذي) ولعل الصواب (التي).
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَقَالُوٓاْ ءَأَٰلِهَتُنَا خَيۡرٌ أَمۡ هُوَۚ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلَۢاۚ بَلۡ هُمۡ قَوۡمٌ خَصِمُونَ} (58)

وقوله تعالى : { آلهتنا } ابتداء معنى ثان ، وذلك أنه لما نزلت { إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم } [ الأنبياء : 98 ] جاء عبد الله بن الزعبري ونظراؤه فقالوا : نحن نخصم محمداً : آلهتنا خير أم عيسى ؟ وعلموا أن الجواب أن يقال عيسى ، قالوا ، وهذه آية الحصب لنا أو لكل الأمم من الكفار فقال النبي عليه السلام : «بل لكل من تقدم أو تأخر من الكفار ، » فقالوا نحن نرضى أن تكون آلهتنا مع عيسى ، إذ هو خير منها ، وإذ قد عبد فهو من الحصب إذاً ، فقال : { ما ضربوه لك إلا جدلاً } أي ما مثلوا هذا التمثيل إلا جدلاً منهم ومغالطة ، ونسوا أن عيسى لم يعبد برضى منه ولا عن إرادة ، ولا له في ذلك ذنب .

وقرأ ابن كثير وأبو عمرو : «آءالهتنا » بهمزة استفهام وهمزة بعدها بين بين وألف بعدها . وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي : بهمزتين مخففتين بعد الثانية ألف . وقرأ ورش عن نافع : بغير استفهام : «آلهتنا » على مثال الخبر . وقرأ قالون عن نافع : «ءالهتنا » على الاستفهام بهمزة واحدة بعدها مدة . وفي مصحف أبي بن كعب : «خير أم هذا » ، فالإشارة إلى محمد ، وخرجت هذه القراءة على التأويل الأول الذي فسرناه ، وكذلك قالت فرقة ممن قرأ : { أم هو } إن الإرادة محمد عليه السلام ، وهو قول قتادة . وقال ابن زيد والسدي المراد ب { هو } عيسى ، هذا هو المترجح .

والجدال عند العرب : المحاورة بمغالطة أو تحقيق أو ما اتفق من القول إنما المقصد به أن يغلب صاحبه في الظاهر إلا أن يتطلب الحق في نفسه ، وروى أبو أمامة عن النبي عليه السلام أنه قال : «ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أتوا الجدل » ثم قرأ : { ما ضربوه لك إلا جدلاً } قال أبو أمامة : ورأى عليه السلام قوماً يتنازعون ، فغضب حتى كأنما صب في وجهه الخل ، وقال :

«لا تضربوا كتاب الله بعضه ببعض ، فما ضل قوم إلا أوتوا الجدل » ثم أخبر تعالى عنهم أنهم أهل خصام ولدد .