{ 44 - 52 } { فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ * أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ * أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ * فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ * لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ * فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ * وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ }
أي : دعني والمكذبين بالقرآن العظيم فإن علي جزاءهم ، ولا تستعجل لهم ، ف { سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ } فنمدهم بالأموال والأولاد ، ونمدهم في الأرزاق والأعمال ، ليغتروا ويستمروا على ما يضرهم .
ولما علم بهذا {[67695]}أنه سبحانه{[67696]} المتصرف وحده بما يشاء{[67697]} كيف يشاء من المنع والتمكين ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يجد من تكذيبهم له - مع إتيانه بما لا يحتمل التكذيب بوجه - من المشقة ما لا يعلم مقداره إلا الله سبحانه وتعالى ، وكان علم المغموم{[67698]} بأن له منقذاً يخفف عنه ، وكان علمه باقتداره على ما يراد منه{[67699]} أقر لعينه سبب عن كمال اقتداره قوله مخففاً عنه عليه أفضل الصلاة والسلام ، لافتاً القول إلى التكلم بالإفراد تنصيصاً على المراد زيادة في{[67700]} تسكين القلب وشرح الصدر{[67701]} : { فذرني } أي اتركني على أي حالة اتفقت { ومن يكذب } أي يوقع التكذيب لمن يتلو ما جددت إنزاله من كلامي القديم على أي حالة كان إيقاعه ، وأفرد الضمير نصاً{[67702]} على تهديد كل واحد من المكذبين : { بهذا الحديث } أي بسببه{[67703]} أي خل بيني وبينهم وكل أمرهم إليَّ ولا تكترث بشيء منه أصلاً فإني أكفيكهم لأنه لا{[67704]} مانع منهم فلا تهتم بهم{[67705]} أصلاً .
ولما كان كأنه قيل : وماذا تعمل فيه{[67706]} إذا خليت بينك وبينه{[67707]} ؟ أجابه بقوله جامعاً الضمير ليكون الواحد مهدداً من باب الأولى : { سنستدرجهم } أي فنأخذهم بعظمتنا {[67708]}عما قليل{[67709]} على غرة بوعد لا خلف فيه {[67710]}وندنيهم{[67711]} إلى الهلاك درجة درجة بواسطة من شئنا من جنودنا وبغير واسطة بما نواتر عليهم من النعم التي توجب عليهم{[67712]} الشكر فيجعلونها سبباً لزيادة الكفر فنوجب{[67713]} لهم النقم . ولما كان أخذ الإنسان من مأمنه على حالة غفلة بتوريطه في أسباب الهلاك لا يحس بالهلاك إلا وهو لا يقدر على التقصي فيها بوجه قال تعالى : { من حيث } أي من جهات { لا يعلمون * } أي لا يتجدد لهم علم ما في وقت من الأوقات بغوائلها{[67714]} ، وذلك أنه سبحانه يغرهم بالإمهال ولا يعاجلهم بالعقاب في وقت{[67715]} المخالفة كما يتفق لمن يراد به الخير فيستيقظ بل يمهلهم ويمدهم بالنعم حتى يزول عنهم خاطر التذكر فيكونوا منعمين في الظاهر مستدرجين في الحقيقة فيقولون : قد قلتم : إن القدر فائض عن القضاء وأن الأعمال قضاء{[67716]} وجزاءها قدر ، ويقولون : إن أفعالنا في الدنيا قبيبحة ونحن لا نرى جزاءها إلا ما يسرنا لولا يعذبنا الله بما نقول{[67717]} فأنتم كاذبون في توعدنا فإنا كلما أحدثنا ما تسمونه معصية تجددت لنا نعمة ، وذلك كما قادهم إلى تدريجهم وهم في غاية الرغبة{[67718]} ، قال القشيري : والاستدراج أن يريد السيىء ويطوي عن صاحبه وجه القصد حتى يأخذه بغتة فيدرج إليه شيئاً بعد شيء .
قوله : { فذرني ومن يكذّب بهذا الحديث } ومن ، في موضع نصب بالعطف على ضمير المتكلم في { فذرني } {[4605]} .
يعني دعني ومن يكذب بهذا القرآن ، فكله إلي فإني أكفيكه ، فحسبك إيقاعا به أن تكل أمره إلي وتخلي بيني وبينه . أو لا تشغل قلبك بشأنه واعتمد على ربك في الانتقام منه . وفي هذا تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتهديد شديد للمكذبين : فالله منتقم من أعداء دينه المجرمين ، وهو سبحانه يملي لهم ، ويمهلهم حتى إذا جاء وعدهم بالتدمير أخذهم أخذ عزيز مقتدر .
قوله : { سنستدرجهم من حيث لا يعلمون } الاستدراج معناه النقل من حال إلى حال . واستدراجه ، أدناه منه على التدريج {[4606]} واستدرجهم أي استنزلهم درجة فدرجة حتى يوقعهم في العقاب { من حيث لا يعلمون } أي وهم لا يشعرون بل يظنون أن في ذلك كرامة لهم وهو في الحقيقة توريط لهم وإهانة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.