تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{تَعۡرُجُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ وَٱلرُّوحُ إِلَيۡهِ فِي يَوۡمٖ كَانَ مِقۡدَارُهُۥ خَمۡسِينَ أَلۡفَ سَنَةٖ} (4)

{ َعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ } أي : ذو العلو والجلال والعظمة ، والتدبير لسائر الخلق ، الذي تعرج إليه الملائكة بما دبرها{[1225]}  على تدبيره ، وتعرج إليه الروح ، وهذا اسم جنس يشمل الأرواح كلها ، برها وفاجرها ، وهذا عند الوفاة ، فأما الأبرار فتعرج أرواحهم إلى الله ، فيؤذن لها من سماء إلى سماء ، حتى تنتهي إلى السماء التي فيها الله عز وجل ، فتحيي ربها وتسلم عليه ، وتحظى بقربه ، وتبتهج بالدنو منه ، ويحصل لها منه الثناء والإكرام والبر والإعظام .

وأما أرواح الفجار فتعرج ، فإذا وصلت إلى السماء استأذنت فلم يؤذن لها ، وأعيدت إلى الأرض .

ثم ذكر المسافة التي تعرج إلى الله فيها الملائكة والأرواح{[1226]}  وأنها تعرج في يوم بما يسر لها من الأسباب ، وأعانها عليه من اللطافة والخفة وسرعة السير ، مع أن تلك المسافة على السير المعتاد مقدار خمسين ألف سنة ، من ابتداء العروج إلى وصولها ما حد لها ، وما تنتهي إليه من الملأ الأعلى ، فهذا الملك العظيم ، والعالم الكبير ، علويه وسفليه ، جميعه قد تولى خلقه وتدبيره العلي الأعلى ، فعلم أحوالهم الظاهرة والباطنة ، وعلم مستقرهم ومستودعهم ، وأوصلهم من رحمته وبره ورزقه{[1227]} ، ما عمهم وشملهم وأجرى عليهم حكمه القدري ، وحكمه الشرعي وحكمه الجزائي .

فبؤسا لأقوام جهلوا عظمته ، ولم يقدروه حق قدره ، فاستعجلوا بالعذاب على وجه التعجيز والامتحان ، وسبحان الحليم الذي أمهلهم وما أهملهم ، وآذوه فصبر عليهم وعافاهم ورزقهم .

هذا أحد الاحتمالات في تفسير هذه الآية [ الكريمة ] فيكون هذا العروج والصعود في الدنيا ، لأن السياق الأول يدل على هذا .

ويحتمل أن هذا في يوم القيامة ، وأن الله تبارك وتعالى يظهر لعباده في يوم القيامة من عظمته وجلاله وكبريائه ، ما هو أكبر دليل على معرفته ، مما يشاهدونه من عروج الأملاك والأرواح صاعدة ونازلة ، بالتدابير الإلهية ، والشئون في الخليقة{[1228]}

في ذلك اليوم الذي مقداره خمسون ألف سنة من طوله وشدته ، لكن الله تعالى يخففه على المؤمن .


[1225]:- في ب: بما جعلها.
[1226]:- في ب: تعرج فيها الملائكة والروح إلى الله.
[1227]:- في ب: وإحسانه.
[1228]:- في ب: والشئون الربانية
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{تَعۡرُجُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ وَٱلرُّوحُ إِلَيۡهِ فِي يَوۡمٖ كَانَ مِقۡدَارُهُۥ خَمۡسِينَ أَلۡفَ سَنَةٖ} (4)

تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة استئناف لبيان -ارتفاع تلك المعارج وبعد مداها على التمثيل والتخيل والمعنى أنها بحيث لو قدر قطعها في زمان لكان في زمان يقدر بخمسين ألف سنة من سني الدنيا وقيل تعرج الملائكة والروح إلى عرشه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة من حيث أنهم يقطعون فيه ما يقطع الإنسان فيها لو فرض لا أن ما بين أسفل العالم وأعلى شرفات العرش مسيرة خمسين ألف سنة لأن ما بين مركز الأرض ومقعر السماء الدنيا على ما قيل مسيرة خمسمائة عام وثخن كل واحدة من السموات السبع والكرسي والعرش كذلك وحيث قال في يوم كان مقداره ألف سنة يريد زمان عروجهم من الأرض إلى محدب السماء الدنيا وقيل في يوم متعلق ب واقع أو سال إذا جعل من السيلان و المراد به يوم القيامة واستطالته إما لشدته على الكفار أو لكثرة ما فيه من الحالات والمحاسبات أو لأنه على الحقيقة كذلك والروح جبريل عليه السلام وإفراده لفضله أو خلق أعظم من الملائكة .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{تَعۡرُجُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ وَٱلرُّوحُ إِلَيۡهِ فِي يَوۡمٖ كَانَ مِقۡدَارُهُۥ خَمۡسِينَ أَلۡفَ سَنَةٖ} (4)

وقوله : { تعرج الملائكة } معناه : تصعد على أصل اللفظة في اللغة . { والروح } عند جمهور العلماء : هو جبريل عليه السلام خصصه بالذكر تشريفاً .

وقال مجاهد : { الروح } ملائكة حفظة للملائكة الحافظين لبني آدم لا تراهم الملائكة كما لا نرى نحن الملائكة . وقال بعض المفسرين : هو اسم الجنس في أرواح الحيوان . واختلف المتأولون في قوله تعالى : { في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة } . فقال منذر بن سعيد وجماعة من الحذاق : المعنى { تعرج الملائكة والروح إليه في يوم } من أيامكم هذه مقدار المسافة أن لو عرجها آدمي خمسون ألف سنة ، وقاله ابن إسحاق فمن جعل { الروح } جبريل أو نوعاً من الملائكة قال : المسافة هي من قعر الأرض السابعة إلى العرش ، قاله مجاهد . ومن جعل { الروح } جنس الحيوان قال المسافة من وجه هذه الأرض إلى منتهى العرش علواً ، قاله وهب بن منبه . وقال قوم المعنى : { تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره } في نفسه { خمسين ألف سنة } من أيامكم ، ثم اختلفوا في تعيين ذلك اليوم ، فقال عكرمة والحكم : أراد مدة الدنيا فإنها خمسون ألف سنة ، لا يدري أحد ما مضى منها ولا ما بقي ، فالمعنى { تعرج الملائكة والروح إليه } في مدة الدنيا ، وبقاء هذه البنية ويتمكن على هذا في { الروح } أن يكون جنس أرواح الحيوان ، وقال ابن عباس وغيره : بل اليوم المشار إليه يوم القيامة ثم اختلفوا ، فقال بعضهم قدره في الطول قدر خمسين ألف سنة ، وهذا هو ظاهر قول النبي صلى الله عليه وسلم : «ما من رجل لا يؤدي زكاة ماله إلا جعل له صفائح من نار يوم القيامة ، تكوى بها جبهته وظهره وجنباه في يوم كان مقداره ألف سنة »{[11315]} . وقال ابن عباس وأبو سعيد الخدري : بل قدره في هوله وشدته ورزاياه للكفار قدر { خمسين ألف سنة } . وهذا كما تقول في اليوم العصيب ، إنه كسنة ونحو هذا قال أبو سعيد ، قيل يا رسول الله ما أطول يوماً مقداره خمسون ألف سنة ، فقال : «والذي نفسي بيده ليخف على المؤمن حتى يكون عليه أخف من صلاة مكتوبة »{[11316]} ، وقال عكرمة : المعنى كان مقدار ما ينقضي فيه من القضايا والحساب قدر ما ينقضي بالعدل في { خمسين ألف سنة } من أيام الدنيا . وقد ورد في يوم القيامة أنه كألف سنة وهذا يشبه أن يكون في طوائف دون طوائف . والعامل في قوله { في يوم } على قول من قال إنه يوم القيامة قوله { دافع } وعلى سائر الأقوال { تعرج } ، وقرأ جمهور القراء : «تعرج » بالتاء من فوق ، وقرأ الكسائي وحده : «يعرج » بالياء لأن التأنيث بالياء غير حقيقي ، وبالياء من تحت قرأ ابن مسعود لأنه كان يذكر الملائكة وهي قراءة الأعمش ، ثم أمر تعالى نبيه بالصبر الجميل ، وهو الذي لا يلحقه عيب من فشل ولا تشكك ولا قلة رضى ولا غير ذلك .


[11315]:هذا الجزء من حديث طويل أخرجه مسلم في الزكاة، وأحمد (2/262)، وهو عن أبي هريرة رضي الله عنه، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار، فأحمي عليها في نار جهنم، فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره، كلما بردت أعيدت له، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار)، بلفظ مسلم.
[11316]:أخرجه أحمد، وأبو يعلى، وابن جرير، وابن حبان، والبيهقي في البعث، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، (الدر المنثور).
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{تَعۡرُجُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ وَٱلرُّوحُ إِلَيۡهِ فِي يَوۡمٖ كَانَ مِقۡدَارُهُۥ خَمۡسِينَ أَلۡفَ سَنَةٖ} (4)

اعتراض لبيان أن المعارج منازل من الرفعة الاعتبارية ترتقي فيها الملائكة وليست معارج يعرج إليه فيها ، أي فهي معارج جعلها الله للملائكة فقرب بها من منازل التشريف ، فالله معرج إليه بإذنه لا عارج ، وبذلك الجعل وصف الله بأنه صاحبها ، أي جاعلها ، ونظيره قوله تعالى : { ذو العرش } [ غافر : 15 ] .

و { الروح } : هو جبريل عليه السلام الموكل بإبلاغ إرادة الله تعالى وإذنه وتخصيصه بالذكر لتمييزه بالفضل على الملائكة . ونظير هذا قوله : { تنزل الملائكة والروح فيها } [ القدر : 4 ] أي في ليلة القدر .

و { الروح } : يطلق على ما به حياة الإِنسان وتصريفُ أعماله وهو المذكور في قوله تعالى : { ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي } [ الإسراء : 85 ] . فيجوز أن يكون مما شمله قوله : { تعرج الملائكة والروح إليه } ، أي أرواح أهل الجنة على اختلاف درجاتها في المعارج . وهذا العروج كائن يوم القيامة وهو اليوم الذي مقداره خمسون ألف سنة . وهذه تقريبات لنهاية عظمة تلك المنازل وارتقاء أهل العالم الأشرف إليها وعظمة يوم وقوعها .

وضمير { إليه } عائد إلى الله على تأويل مضاف على طريقة تعلق بعض الأفعال بالذوات ، والمراد أحوالها مثل { حرمت عليكم الميتة } [ المائدة : 3 ] أي أكلها . و { في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة } يتنازع تعلقه كل من قوله : { واقع } [ المعارج : 1 ] وقوله : { تعرج } .