وأما المتقون لربهم ، المؤمنون به- فمع ما يحصل لهم من عز الدنيا ونعيمها { لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها }
فلو قدر أنهم في دار الدنيا ، قد حصل لهم كل بؤس وشدة ، وعناء ومشقة ، لكان هذا بالنسبة إلى النعيم المقيم ، والعيش السليم ، والسرور والحبور ، والبهجة نزرا يسيرا ، ومنحة في صورة محنة ، ولهذا قال تعالى : { وما عند الله خير للأبرار } وهم الذين برت قلوبهم ، فبرت أقوالهم وأفعالهم ، فأثابهم البر الرحيم من بره أجرا عظيما ، وعطاء جسيما ، وفوزا دائما .
{ لكن الذين اتقوا ربهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نزلا من عند الله } النزل والنزل ما يعد للنازل من طعام وشراب وصلة . قال أبو الشعر الضبي :
وكنا إذا الجبار بالجيش ضافنا *** جعلنا القنا والمرهفات نزلا
وانتصابه على الحال من جنات والعامل فيها الظرف ، وقيل : إنه مصدر مؤكد والتقدير أنزلوها نزلا { وما عند الله } لكثرته ودوامه { خير للأبرار } مما يتقلب فيه الفجار لقلته وسرعة زواله .
وقرأ أبو جعفر بن القعقاع : : «لكنّ الذين » ، بشد النون ، وعلى أن { الذين } في موضع نصب اسماً ل «لكنّ » ، و { نزلاً } : معناه تكرمة ، ونصبه على المصدر المؤكد ، وقرأ الحسن : «نزْلاً » ساكنة الزاي ، وقوله تعالى : { وما عند الله خير للأبرار } يحتمل أن يريد : خير مما هؤلاء فيه من التقلب والتنعم ، ويحتمل أن يريد : خير مما هم فيه في الدنيا ، وإلى هذا ذهب ابن مسعود فإنه قال : ما من مؤمن ولا كافر إلا والموت خير له ، أما الكافر فلئلا يزداد إثماً ، وأما المؤمن فلأن ما عند الله خير للأبرار{[3811]} .
قال القاضي أبو محمد رحمه الله :
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : «الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر »{[3812]} ، فقال القاضي ابن الطيب : هذا هو بالإضافة إلى ما يصير إليه كل واحد منهما في الآخرة ، فالدنيا على المؤمن المنعم سجن بالإضافة إلى الجنة ، والدنيا للكافر الفقير المضيق عليه في حاله و صحته جنة بالإضافة إلى جهنم ، وقيل : المعنى أنها سجن المؤمن لأنها موضع تعبه في الطاعات وصومه وقيامه ، فهو فيها كالمعنت المنكل ، وينتظر الثواب في الأخرى التي هي جنته ، والدنيا جنة الكافر ، لأنها موضع ثوابه على ما عسى أن يعمل من خير ، وليس ينتظر في الآخرة ثواباً ، فهذه جنته ، وهذا القول عندي كالتفسير والشرح للأول .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.