{ لكن الذين اتقوا ربهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها } لما تضمن ما تقدم أن ذلك التقلب والتصرف في البلاد هو متاع قليل ، وإنهم يأوون بعد إلى جهنم ، فدل على قلّة ما متعوا به ، لأنّ ذلك منقض بانقضاء حياتهم ، ودلّ على استقرارهم في النار .
استدرك بلكن الأخبار عن المتقين بمقابل ما أخبر به عن الكافرين ، وذلك شيئان : أحدهما مكان استقرار وهي الجنات ، والثاني ذكر الخلود فيها وهو الإقامة دائماً والتمتع بنعيمها سرمداً .
فقابل جهنم بالجنات ، وقابل قلة متاعهم بالخلود الذي هو الديمومة في النعيم ، فوقعت لكن هنا أحسن موقع ، لأنه آل معنى الجملتين إلى تكذيب الكفار وإلى تنعيم المتقين ، فهي واقعة بين الضدين .
وقرأ الجمهور : لكنْ خفيفة النون .
وقرأ أبو جعفر : بالتشديد ، ولم يظهر لها عمل ، لأن اسمها مبني .
{ نزلاً من عند الله } النزل ما يعد للنازل من الضيافة والقرى .
ويجوز تسكين رايه ، وبه قرأ : الحسن ، والنخعي ، ومسلمة بن محارب ، والأعمش .
وكنا إذا الجبار بالجيش خافنا *** جعلنا القنا والمرهفات له نزلا
قال ابن عباس : النزل الثواب ، وهي كقوله : { ثواباً من عند الله } وقال ابن فارس : النزل ما يهيأ للنزيل ، والنزيل الضيف .
وقيل : النزل الرزق وما يتغذى به .
ومنه : { فنزل من حميم } أي فغذاؤه .
ويقال : أقمت للقوم نزلهم أي ما يصلح أن ينزل عليه من الغذاء ، وجمعه أنزال .
وقال الهروي : الأنزال التي سويت ، ونزل عليها .
ومعنى من عند الله : أي لا من عند غيره ، وسماه نزلاً لأنه ارتفع عنهم تكاليف السعي والكسب ، فهو شيء مهيأ يهيأ لهم لا تعب عليهم في تحصيله هناك ، ولا مشقة .
كالطعام المهيأ للضيف لم يتعب في تحصيله ، ولا في تسويته ومعالجته .
وانتصاب نزلاً قالوا : إما على الحال من جنات لتخصصها بالوصف ، والعامل فيها العامل في لهم .
وإما بإضمار فعل أي : جعلها نزلاً .
وإمّا على المصدر المؤكد فقدره ابن عطية : تكرمة ، وقدره الزمخشري : رزقاً أو عطاء .
وقال الفرّاء : انتصب على التفسير كما تقول : هو لك هبة وصدقة انتهى .
{ وما عند الله خير للأبرار } ظاهره حوالة الصلة على ما تقدم من قوله : نزلاً من عند الله .
والمعنى : أن الذي أعده الله للأبرار في الآخرة خير لهم ، فيحتمل أن يكون المفضل عليه بالنسبة للأبرار أي خير لهم مما هم فيه في الدنيا ، وإليه ذهب : ابن مسعود .
وجاء « لموضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها » ويحتمل أن يكون بالنسبة إلى الكفار ، أي : خير لهم مما يتقلب فيه الكفار من المتاع الزائل .
وقيل : خير هنا ليست للتفضيل ، كما أنها في قوله تعالى : { أصحاب الجنة يومئذ خير مستقراً } والأظهر ما قدمناه .
وللأبرار متعلق بخير ، والأبرار هم المتقون الذين أخبر عنهم بأن لهم جنات .
أي الذي عند الله للأبرار خير لهم ، وهذا ذهول عن قاعدة العربية من أن المجرور إذ ذاك يتعلق بما تعلق به الظرف الواقع صلة للموصول ، فيكون المجرور داخلاً في حيز الصلة ، ولا يخبر عن الموصول إلا بعد استيفائه صلته ومتعلقاتها .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.