إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{لَٰكِنِ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ رَبَّهُمۡ لَهُمۡ جَنَّـٰتٞ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَا نُزُلٗا مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِۗ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَيۡرٞ لِّلۡأَبۡرَارِ} (198)

{ لَكِنِ الذين اتقوا رَبَّهُمْ لَهُمْ جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار خالدين فِيهَا } بيانٌ لكمال حسنِ حالِ المؤمنين غِبَّ بيانٍ وتكريرٌ له إثرَ تقرير مع زيادة خلودِهم في الجنَّاتِ ليتم بذلك سرورُهم ويزدادَ تبجُّحُهم ، ويتكاملَ به سوءُ حالِ الكفرةِ . وإيرادُ التقوى في حيز الصلةِ للإشعار بكون الخصالِ المذكورةِ من باب التقوى ، والمرادُ به الاتقاءُ من الشرك والمعاصي ، فالموصولُ مبتدأ والظرفُ خبرُه وجناتٌ مرتفعٌ به على الفاعلية لاعتماده على المبتدأ ، أو الظرفُ خبرٌ لجناتٌ والجملةُ خبرٌ للموصول ، وخالدين فيها أي في الجنات حالٌ مقدرةٌ من الضمير أو من جناتٌ لتخصّصها بالوصف ، والعاملُ ما في الظرف من معنى الاستقرارِ { نُزُلاٍ منْ عِندِ الله } وقرئ بسكون الزاي وهو ما يُعدّ للنازل من طعام وشرابٍ وغيرِهما قال أبو الشعر الضبي : [ الطويل ]

وكنا إذا الجبارُ بالجيش ضافنا *** جعلنا القَنا والمرهفاتِ له نُزْلا

وانتصابُه على الحالية من جناتٌ لتخصصها بالوصف ، والعاملُ فيه ما في الظرف من معنى الاستقرارِ ، وقيل هو مصدرٌ مؤكدٌ كأنه قيل رِزقاً أو عطاءً من عند الله { وَمَا عِندَ الله خَيْرٌ } مبتدأ وخبرٌ وقوله تعالى : { للأبْرَارِ } متعلقٌ بمحذوف هو صفةٌ لخيرٌ أي ما عنده تعالى من الأمور المذكورةِ الدائمةِ خيرٌ كائنٌ للأبرار ، أي مما يتقلب فيه الفجارُ من المتاع القليلِ الزائلِ ، والتعبيرُ عنهم بالأبرار للإشعار بأن الصفاتِ المعدودَة من أعمال البرِّ كما أنها من قبيل التقوى ، والجملةُ تذييل لما قبلها .