تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُونُوٓاْ أَنصَارَ ٱللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ٱبۡنُ مَرۡيَمَ لِلۡحَوَارِيِّـۧنَ مَنۡ أَنصَارِيٓ إِلَى ٱللَّهِۖ قَالَ ٱلۡحَوَارِيُّونَ نَحۡنُ أَنصَارُ ٱللَّهِۖ فَـَٔامَنَت طَّآئِفَةٞ مِّنۢ بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ وَكَفَرَت طَّآئِفَةٞۖ فَأَيَّدۡنَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ عَلَىٰ عَدُوِّهِمۡ فَأَصۡبَحُواْ ظَٰهِرِينَ} (14)

ثم قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ } [ أي : ] بالأقوال والأفعال ، وذلك بالقيام بدين الله ، والحرص على إقامته{[1089]}  على الغير ، وجهاد من عانده ونابذه ، بالأبدان والأموال ، ومن نصر الباطل بما يزعمه من العلم ورد الحق ، بدحض حجته ، وإقامة الحجة عليه ، والتحذير منه .

ومن نصر دين الله ، تعلم كتاب الله وسنة رسوله ، والحث على ذلك ، [ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ] .

ثم هيج الله المؤمنين بالاقتداء بمن قبلهم من الصالحين بقوله : { كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ } أي : قال لهم عارضا ومنهضا{[1090]}  من يعاونني ويقوم معي في نصرتي لدين الله ، ويدخل مدخلي ، ويخرج مخرجي ؟ . فابتدر الحواريون ، فقالوا : { نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ } فمضى عيسى عليه السلام على أمر الله ونصر دينه ، هو ومن معه من الحواريين ، { فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ } بسبب دعوة عيسى والحواريين ، { وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ } منهم ، فلم ينقادوا لدعوتهم ، فجاهد المؤمنون الكافرين ، { فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ } أي : قويناهم ونصرناهم عليهم .

{ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ } عليهم وقاهرين [ لهم ] ، فأنتم يا أمة محمد ، كونوا أنصار الله ودعاة دينه ، ينصركم الله كما نصر من قبلكم ، ويظهركم على عدوكم .

تمت ولله الحمد{[1091]} .


[1089]:- في ب: تنفيذه.
[1090]:- في ب: قال لهم منبها.
[1091]:- في ب: تم تفسيرها والحمد لله رب العالمين.
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُونُوٓاْ أَنصَارَ ٱللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ٱبۡنُ مَرۡيَمَ لِلۡحَوَارِيِّـۧنَ مَنۡ أَنصَارِيٓ إِلَى ٱللَّهِۖ قَالَ ٱلۡحَوَارِيُّونَ نَحۡنُ أَنصَارُ ٱللَّهِۖ فَـَٔامَنَت طَّآئِفَةٞ مِّنۢ بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ وَكَفَرَت طَّآئِفَةٞۖ فَأَيَّدۡنَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ عَلَىٰ عَدُوِّهِمۡ فَأَصۡبَحُواْ ظَٰهِرِينَ} (14)

{ يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله }وقرأ الحجازيان وأبو عمرو بالتنوين واللام لأن المعنى كونوا بعض أنصار الله ، { كما قال عيسى ابن مريم للحواريين من أنصاري إلى الله }أي من جندي موجها إلى نصرة الله ليطابق قوله تعالى :{ قال الحواريون نحن أنصار الله }والإضافة الأولى إضافة أحد المتشاركين إلى الآخر لما بينهما من الاختصاص ، والثانية إضافة الفاعل إلى المفعول والتشبيه باعتبار المعنى إذ المراد قل لهم كما قال عيسى ابن مريم أو كونوا أنصارا ، كما قال الحواريون حين قال لهم عيسى من أنصاري إلى الله والحواريون أصفياؤه وهم أول من آمن به وكانوا اثني عشر رجلا من الحور وهو البياض ، { فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة }أي بعيسى ، { فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم } بالحجة وبالحرب وذلك بعد رفع عيسى ، { فأصبحوا ظاهرين } فصاروا غالبين .

ختام السورة:

عن النبي صلى الله عليه وسلم من قرأ سورة الصف كان عيسى مصليا عليه مستغفرا له ما دام في الدنيا وهو يوم القيامة رفيقه .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُونُوٓاْ أَنصَارَ ٱللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ٱبۡنُ مَرۡيَمَ لِلۡحَوَارِيِّـۧنَ مَنۡ أَنصَارِيٓ إِلَى ٱللَّهِۖ قَالَ ٱلۡحَوَارِيُّونَ نَحۡنُ أَنصَارُ ٱللَّهِۖ فَـَٔامَنَت طَّآئِفَةٞ مِّنۢ بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ وَكَفَرَت طَّآئِفَةٞۖ فَأَيَّدۡنَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ عَلَىٰ عَدُوِّهِمۡ فَأَصۡبَحُواْ ظَٰهِرِينَ} (14)

وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو والأعرج وعيسى : «أنصاراً » ، بتنوين الأنصار ، وقرأ الباقون{[11081]} والحسن والجحدري «أنصارَ الله » ، بالإضافة ، وفي حرف عبد الله{[11082]} : «أنتم أنصار الله » ، ثم ضرب تعالى لهم المثل بقوم بادروا حين دعوا ، وهم «الحواريون » : خلصان{[11083]} الأنبياء ، سموا بذلك لأنه ردد اختبارهم وتصفيتهم ، وكذلك رد تنخيل الحواري : فاللفظتان في الحور ، وقيل : «الحَواريون » سموا بذلك لبياض ثيابهم ، وكانوا غسالين{[11084]} ، نصروا عيسى ، واستعمل اسمهم حتى قيل للناصر العاضد حواري ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : «وحواريي الزبير »{[11085]} ، وافتراق طوائف بني إسرائيل هو في أمر عيسى عليه السلام ، قال قتادة : والطائفة الكافرة ثلاث فرق : اليعقوبية : وهم قالوا هو الله ، والإسرائيلية : وهم قالوا ابن الله ، والنسطورية : وهم قالوا هو إله ، وأمه إله والله ثالثهما ، تعالى الله عن أقوالهم علواً كبيراً .

وقوله تعالى : { فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم } قيل ذلك قبل محمد صلى الله عليه وسلم ، وبعد فترة من رفع عيسى عليه السلام ، رد الله تعالى الكرة لمن آمن به ، فغلبوا الكافرين الذين قتلوا صاحبه الذي ألقي عليه الشبه ، وقيل ذلك بمحمد صلى الله عليه وسلم ، أصبح المؤمن بعيسى ظاهراً لإيمانه بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وذلك أنه لا يؤمن أحد حق الإيمان بعيسى ، إلا وفي ضمن ذلك الإيمان بمحمد لأنه بشر به ، وحرض عليه ، وقيل كان المؤمنون به قديماً ، { ظاهرين } بالحجة ، وإن كانوا مفرقين في البلاد ، مغلوبين في ظاهر الحياة الدنيا ، وقرأ مجاهد وحميد والأعرج وابن محيصن : «فأيَدنا » مخففة الياء ممدودة الألف .

كمل تفسير سورة الصف ولله الحمد كثيراً .


[11081]:أي: من السبعة.
[11082]:في بعض النسخ:"وفي حرف أبي".
[11083]:الخُلصان: الخالص من الأخذان، يستوي فيه الواحد والجمع.(المعجم الوسيط).
[11084]:المشهور أنهم كانوا قصّارين، أي يدقون الثياب ويبيضونها.
[11085]:أخرجه الشيخان، كما أخرجه البزار عن عائشة رضي الله عنها، وأخرجه الإمام أحمد في مسنده، والبزار والطبراني عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما:(تفسير ابن كثير، ومجمع الزوائد9-151)، كما أخرجه ابن ماجه في المقدمة، ولفظه كما جاء في البخاري-باب فضائل الصحابة- عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(إن لكل نبي حواري، وإن حواريّ الزبير بن العوام).