فلما لم يفوا بما عاهدوا اللّه عليه ، عاقبهم { فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ } مستمرا { إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ }
فليحذر المؤمن من هذا الوصف الشنيع ، أن يعاهد ربه ، إن حصل مقصوده الفلاني ليفعلن كذا وكذا ، ثم لا يفي بذلك ، فإنه ربما عاقبه اللّه بالنفاق كما عاقب هؤلاء .
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الثابت في الصحيحين : { آية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب ، وإذا عاهد غدر ، وإذا وعد أخلف }
فهذا المنافق الذي وعد اللّه وعاهده ، لئن أعطاه اللّه من فضله ، ليصدقن وليكونن من الصالحين ، حدث فكذب ، وعاهد فغدر ، ووعد فأخلف .
{ فأعقبهم نفاقا في قلوبهم } أي فجعل الله عاقبة فعلهم ذلك نفاقا وسوء اعتقاد في قلوبهم ، ويجوز أن يكون الضمير للبخل والمعنى فأورثهم البخل نفاقا متمكنا في قلوبهم . { إلى يوم يلقونه } يلقون الله بالموت أو يلقون عملهم أي جزاءه وهو يوم القيامة { بما أخلفوا الله ما وعدوه } بسبب إخلافهم ما وعدوه من التصدق والصلاح . { وبما كانوا يكذبون } وبكونهم كاذبين فيه فإن خلف الوعد متضمن لكذب مستقبح من الوجهين أو المقال مطلقا وقرئ { يكذبون } بالتشديد .
وفي قوله تعالى : { فأعقبهم } نص المعاقبة على الذنب بما هو أشد منه ، وقوله : { إلى يوم يلقونه } يقتضي موافاتهم على النفاق ، ولذلك لم يقبل الخلفاء رضي الله عنهم رجوع ثعلبة لشهادة القرآن عليه بالموافاة ، ولولا الاحتمال في أنه نفاق معصية لوجب قتله ، وقرأ الأعمش «لنصدقن » بالنون الثقيلة مثل الجماعة «ولنَكونَن » خفيفة النون ، والضمير الذي في قوله { فأعقبهم } يعود على الله عز وجل .
ويحتمل أن يعود على «البخل » المضمن في الآية ، ويضعف ذلك الضمير في { يلقونه } ، وقوله { نفاقاً في قلوبهم } ، يحتمل أن يكون نفاق كفر ويكون تقرير ثعلبة بعد هذا النص والإبقاء عليه لمكان إظهاره الإسلام وتعلقه بما فيه احتمال .
ويحتمل أن يكون قوله { نفاقاً } يريد به نفاق معصية وقلة استقامة ، فيكون تقريره صحيحاً ويكون ترك في أول الزكاة عقاباً له ونكالاً .
وهذا نحو ما روي أن عاملاً كتب إلى عمر بن عبد العزيز أن فلاناً يمنع الزكاة ، فكتب إليه أن دعه واجعل عقوبته أن لا يؤدي الزكاة مع المسلمين ، يريد لما يلحقه من المقت في ذلك ، وقرأ الحسن والأعرج وأبو عمرو وعاصم ونافع وسائرهم { يكذبون } قرأ أبو رجاء «يكذبون » وذكر الطبري في هذه الآية ما يناسبها من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ثلاث من كن فيه كان منافقاً خالصاً ، إذا وعد أخلف وإذا حدث كذب وإذا اؤتمن خان »{[5795]} وفي حديث آخر «وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر » ونحو هذا من الأحاديث ، ويظهر من مذهب البخاري وغيره من أهل العلم أن هذه الخلال الذميمة منافق من اتصف بها إلى يوم القيامة .
وروي أن عمرو بن العاص لما احتضر قال زوجوا فلاناً فإني قد وعدته لا ألقى الله بثلث النفاق ، وهذا ظاهر كلام الحسن بن أبي الحسن ، وقال عطاء بن أبي رباح قد فعل هذه الخلال إخوة يوسف ولم يكونوا منافقين بل كانوا أنبياء ، وهذه الأحاديث إنما هي في المنافقين في عصر النبي صلى الله عليه وسلم ، الذين شهد الله عليهم ، وهذه هي الخصال في سائر الأمة معاص لا نفاق .
قال القاضي أبو محمد : ولا محالة أنها كانت مع التوحيد والإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم ، معاص لكنها من قبيل النفاق اللغوي ، وذكر الطبري عن فرقة أنها قالت : كان العهد الذي عاهد الله عليه هؤلاء المنافقون شيئاً نووه في أنفسهم ولم يتكلموا به .
قال القاضي أبو محمد : وهذا فيه نظر{[5796]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.